المصير، وصلّى الله على سيّدنا محمّد رسوله المبعوث، إلى الوارث والموروث، أما بعد، فإنّ الله تعالى قد حضّ على الجهاد، وأمر بإعزاز الدّين، والذّبّ عن الحريم والإسلام والمسلمين في الدهر الصالح، والزمان المطمئنّ، فكيف إذا اضطرب الحبل وانتكثت مريرته، وأبرز مصونه، وعرّي حريمه بالاستباحة، ونيل جانبه بالضّيم، وضعضع مناره بالرّغم، وقصد ركنه بالهدم، وأنت أيها المولى من وراء سدّة أمير المؤمنين المطيع لله، والحامل لأعباء مهمّاته، والناهض بأثقال نوائبه وأحداثه، والمفزع إليك، والمعوّل عليك فإن كان منك جدّ وتشمير فما أقرب الفرج ممّا قد أظلّ وأزعج، وإن كان منك توان وتقصير فما أصعبه من خطب؟ وما أبعده من شعب!! وقد جئناك نحقّق عندك ما بلغك من توسّط هذه الطاغية أطراف الموصل وما والاها، وأنّ الناس قد جلوا عن أوطانهم، وفتنوا في أديانهم وضعفوا عن حقيقة إيمانهم، للرّعب الذي أذهلهم، والخوف الّذي وهلهم، وإنّما هم بين أطفال صغار، ونساء ضعاف، وشيوخ قد أخذ الزمان منهم، فهم أرض لكلّ واطئ، ونهب لكلّ يد، وشباب لا يقفون لعدوّهم لقلّة سلاحهم، وسوء تأتّيهم في القراع والدّفاع، ونحن نسألك أن تتوخّى في أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم ما يزلفك عنده، ويكون لك في ذلك ذخر من شفاعته. وبختيار مطرق.
ثم اندفع عليّ بن عيسى فقال: أيّها الأمير، إنّ الصغير يتدارك قبل أن يكبر، فكيف يجوز ألّا يستقبل بالجدّ والاجتهاد وهو قد عسا وكبر. والله إن بنا إلّا أن يظنّ أهل الجبل وأذربيجان وخراسان أنّه ليس لنا ذابّ عن حريمنا، ولا ناصر لديننا، ولا حافظ لبيضتنا، ولا مفرّج لكربتنا، ولا من يهمّه شيء من أمورنا، فالله الله، لا تجرّنّ علينا شماتتهم بنا، وخذ بأيدينا بقوّتك، وحسن نيّتك، وحميد طويّتك، وعزّك وسلطانك، وأوليائك وأعوانك، واكتب قبل هذا إلى عدّة الدّولة بما يبعثه على حفظ أطرافه، وحراسة أكنافه، مع استطلاع الرّأي من جهتك، ومطالعة أمير المؤمنين برأيك ومشورتك.
ثم رفع الأنصاريّ رأسه وقال: ليس في تكرير الكلام- أطال الله بقاء الأمير- فائدة كبيرة، ولئن كان الإيجاز في هذا الباب لا يكفي، فالإطناب فيه أيضا لا يغني، والله لو نهضت بنا ونحن أحراض كما ترى لا نقلّب مخصرة بكفّ، ولا نرمي دحروجة بيد، ولا نعرف سلاحا إلا بالاسم، لنهضنا وسرنا تحت رايتك، وتصرّفنا بين أمرك ونهيك، وفدّيناك بأرواحنا ضنّا بك، وبعثنا على مثل ذلك أحداثنا وأولادنا الذين ربّيناهم بنعمتك، وخرّجناهم في أيّامك، وادّخرناهم للنّوازل إذا قامت، والحوادث إذا ترامت، فإن كان في المال قلّة فخذ من موسرنا وممّن له فضل في حاله، فإنه يفرج عنه طاعة لك، وطمعا فيما عند الله من الثّواب.