للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال العوّاميّ: والله ما سمّيت للدّولة عزّا، إلا لأنّ الله- تعالى- قد ذخرك للمسلمين كنزا، وجعل لهم على يديك وبتدبيرك راحة وفوزا، ولم يعرّضك لهذه الفادحة إلّا ليخصّك بانفراجها على يدك ويبقي لك بها ذكرا يطبّق الأرض ويبلغ أمراء خراسان ومصر والحجاز واليمن فيصيبهم الحسد على ما هيّأ الله لك منها.

ونظر بختيار إلى ابن حسّان القاضي- وكان منبسطا معه لقديم خدمته- فقال: أيّها القاضي، أنت لا تقول شيئا؟ قال: أيّها الأمير، وما القول وعندك هؤلاء العلماء، والمصاقع الألبّاء، وإنّ سراجي لا يزدهر في شمسهم، وإنّ سحابتي لا تبلّ على بلالهم، وقد قالوا فأنعموا، وجروا فأمعنوا، وليس قدّامهم إمام، ولا وراءهم أمام، لكنّي أقول: ما جشمنا إليك هذه الكلف إلّا لتنظر على ضعف أركاننا، وعلوّ أسناننا وقلّة أعواننا، لأنّا رأيناك أهلا للنّظر في أمرنا، والاهتمام بحالنا، وبما يعود نفعه على صغيرنا وكبيرنا.

فقال عزّ الدولة: ما زوي عنّي ما طرق هذه البلاد، ولقد أشرفت عليه، وفكّرت فيه، وما أحببت تجشّم هذه الطائفة على الوجه. وما أعجبني هذا التقريع من الصّغير والكبير، وما كان يجوز لي أن أنعس على هذه الكارثة، وأنعم بالعيش معها، ولعمري إنّ الغفلة علينا أغلب، والسّهو فينا أعمل، ولكن فيما ركبتموه منّي تهجين شديد، وتوبيخ فاحش، وإنّ هذا المجلس لممّا يتهادى حديثه بالزّائد والناقص، والحسن والقبيح، وإنّكم لتظنّون أنّكم مظلومون بسلطاني عليكم، وولايتي لأموركم، كلّا، ولكن كما تكونون يولّى عليكم، هكذا قول صاحب الشّريعة فينا وفيكم، والله لو لم تكونوا أشباهي لما وليتكم، ولولا أنّي كواحد منكم، لما جعلت قيّما عليكم، ولو خلا كلّ واحد منّا بعيب نفسه لعلم أنّه لا يسعه وعظ غيره، وتهجين سلطانه، أيظنّ هذا الشيخ أبو بكر الرّازيّ أنّني غير عالم بنفاقه، ولا عارف بما يشتمل عليه من خيره وشرّه، يلقاني بوجه صلب، ولسان هدّار يري من نفسه أنّه الحسن البصريّ يعظ الحجّاج بن يوسف، أو واصل بن عطاء يأمر بالمعروف، أو ابن السّماك يرهب الفجّار، هذا قبيح، ولو سكتّ عن هذا لكان عيّا وعجزا، جزى الله أبا عبد الله شيخنا خيرا حين جلس، وكذلك أحسن الله عنّا مكافأة أبي سعيد السّيرافيّ، فإنّه لو علم أنّ في مساعدتكم رشدا لما توقّف، وأمّا أنت يا أبا الحسن- يريد عليّ بن عيسى- فوحقّ أبي إنّي لأحبّ لقاءك، وأوثر قربك، ولولا ما يبلغني من ملازمتك لمجلسك، وتدريسك لمختلفتك، وإكبابك على كتابك في القرآن، لغلّبتك على زمانك، ولا استكثرت ممّا قلّ حظّي منه في هذه الحال التي أنا مدفوع إليها، فإنها وازعة على هوى النّفس، وطاعة الشيطان، ومنازعة الأكفاء، وجمع المال، وأخذه من حيث يجب أو لا يجب، وتفرقته فيمن يستحقّ ومن لا يستحقّ، وإلى الله أفزع في قليل أمري وكثيره، إذا شئتم.

<<  <   >  >>