للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحكى لنا الزّهيريّ قال: سأل رجل آخر فقال: أتقول إنّ الله نهانا أن نعبد إلهين؟ قال: نعم، قال: وأمرنا أن نعبد إلها واحدا؟ قال: نعم، قال: فالاثنان اللّذان نهانا عن عبادتهما معقولان هكذا؟ وأشار بإصبعيه، قال: نعم، قال: فالواحد الذي أمرنا بعبادته معقول هكذا؟ وأشار بإصبع واحدة، قال: لا، قال: فقد نهانا عمّا يعقل وأمرنا بما لا يعقل، وهذا يعلم ما فيه فانظر حسنا.

وحكى لنا الزّهيريّ قال: حدّثنا ابن الأخشاد قال: تناظر رجلان في وصف الباري سبحانه، واشتدّ بينهما الجدال، فتراضيا بأوّل من يطلع عليهما ويحكم بينهما، فطلع أعرابيّ، فأجلساه وقصّا قصّتهما، ووصفا له مذهبيهما، فقال الأعرابيّ لأحدهما- وكان مشبّها-: أمّا أنت فتصف صنما، وقال للثاني: وأمّا أنت فتصف عدما، وكلاكما تقولان على الله ما لم تعلما.

وقال لنا الأنصاريّ أبو كعب: قال ابن الطحّان الضّرير البصريّ- وكان يقول بقول جهم-: إذا كان يوم القيامة بدّل الله سيّئات المؤمنين حسنات، فيندمون على ما قصّروا فيه من تناول اللّذّات، وقضاء الأوطار بالشّهوات، لأنهم كانوا يتوقّعون العقاب، فنالوا الثّواب، وكان يتلو عند هذا الحديث قول الله عزّ وجلّ: فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ

[الفرقان: ٧٠] .

وحكى لنا ابن الثلّاج قال، قال أبو عثمان الآدميّ: إنّ الجنّة لا ساتر فيها، وذلك لأنّ كلّ ساتر مانع، وكلّ مانع آفة، وليست في الجنّة آفة، ولهذا روي في الحديث: إنّ الحور يرى مخّ ساقها من وراء سبعين حلّة سوى ما تحت ذلك من اللّحم والعظم، كالسّلك في الياقوت، فقال له قائل: الجنّة إذا أولى من الحمّام، إذ قيل: بئس البيت الحمّام، يذهب الحياء، ويبدي العورة.

وحكى لنا ابن ربّاط الكوفيّ- وكان رئيس الشّيعة ببغداد، ولم أر أنطق منه- قال: قيل لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-: من أين جاء اختلاف النّاس في الحديث؟ فقال: الناس أربعة: رجل منافق كذب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم متعمّدا، فلو علم أنّه منافق ما صدّق ولا أخذ عنه. ورجل سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول قولا أو رآه يفعل فعلا ثم غاب ونسخ ذلك من قوله أو فعله، فلو علم أنّه نسخ ما حدّث ولا عمل به، ولو علم الناس أنّه نسخ ما قبلوا منه ولا أخذوا عنه. ورجل سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول قولا فوهم فيه، فلو علم أنّه وهم ما حدّث ولا عمل به. ورجل لم يكذب ولم يهم، وشهد ولم يغب.

قال: وإنّما دلّ بهذا على نفسه، ولهذا قال: كنت إذا سئلت أجبت، وإذا سكتّ ابتدئت.

<<  <   >  >>