للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحكى لنا ابن زرعة النّصرانيّ قال: قيل للمسيح، ما بال الرّجلين يسمعان الحقّ فيقبله أحدهما ولا يقبله الآخر؟ فقال: مثل ذلك مثل الرّاعي الذي يصوّت بغنمه فتأتيه هذه الشاة بندائه، ولا تأتيه هذه.

قال أبو سليمان: هذا جواب مبتور، وليس له سنن، ولعلّ الترجمة قد حافت عليه، والمعنى انحرف عن الغاية، وليس يجوز أن يكون حال الإنسان كيف كان، حال الشاة في إجابة الداعي وإبائها، فإنّ له دواعي وموانع عقليّة وحسّيّة.

فقال الوزير: هذا أيضا باب قد مضى مستوفى، ما الذي سمعت اليوم؟

فقلت: رأيت ابن برمويه في دعوة، وترامى الحديث فقال: رأيت اليوم الوزير شديد العبوس، أهو هكذا أبدا، أم عرض له هذا على بختي؟ فقال ابن جبلة: لعلّه كان ذاك لسبب، وإلّا فالبشر غالب على وجهه، والبشاشة مألوفة منه. فقال ابن برمويه: ما أحسن ما قال الشاعر:

أخو البشر محمود على حسن بشره ... ولن يعدم البغضاء من كان عابسا

فقال عليّ بن محمد- رسول سجستان-: ما أدري ما أنتما فيه، ولكن يقال: ما أرضى الغضبان، ولا استعطف السلطان، ولا ملك الإخوان، ولا استلّت الشّحناء، ولا رفعت البغضاء، ولا توقّي المحذور، ولا اجتلب السرور، بمثل البشر والبرّ، والهديّة والعطيّة.

وقال الوزير: هات ملحة المجلس.

فكان الجواب: قال أبو همّام ذات يوم: لو كان النخل لا يحمل بعضه إلّا الرّطب، وبعضه إلّا البسر، وبعضه إلّا الخلال، وكنّا متى تناولنا من الشّمراخ بسرة خلق الله مكانها بسرتين، ما كان بذلك بأس.

ثم قال: أستغفر الله، لو كنت تمنّيت بدل نواة التّمر زبدة كان أصوب.

وسأل الوزير: هل يقال في النساء رجلة؟

فكان الجواب: حدّثنا أبو سعيد السّيرافيّ قال: كان يقال في عائشة بنت أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنهما: «كانت رجلة العرب» ، وإنما ضاعت هذه الصّفة على مرّ الأيام بغلبة العجمان.

فقال: إنّها والله لكذلك، لقد سمعت من يقول: كان يقال: لو كان لأبيها ذكر مثلها لما خرج الأمر منه.

قال: هل تحفظ من كلامها شيئا؟

فقلت: لها كلام كثير في الشريعة، والرّواية عنها شائعة في الأحكام، ولقد نطقت بعد موت أبيها بما حفظ وأذيع، لكنّي أحفظ لها ما قالته لمّا قتل عثمان:

<<  <   >  >>