خرجت والناس مجتمعون، وعليّ فيهم، فقالت: أقتل أمير المؤمنين عثمان؟
قالوا: نعم، قالت: أما والله لقد كنتم إلى تسديد الحقّ وتأكيده أحوج منكم إلى ما نهضتم إليه، من طاعة من خالف عليه، ولكن كلّما زادكم الله صحة في دينه، ازددتم تثاقلا عن نصرته طمعا في دنياكم، أما والله لهدم النّعمة أيسر من بنيانهها، وما الزّيادة إليكم بالشّكر، بأسرع من زوال النعمة عنكم بالكفر، أما لئن كان فني أكله، واخترم أجله، إنّه لصهر رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلم مرّتين، وما علمنا خلقا تزوّج ابنتي نبيّ غيره، ولو غير أيديكم قرعت صفاته لوجد عند تلظّي الحرب متجرّدا، ولسيوف النّصر متقلّدا، ولكنّها فتنة قدحت بأيدي الظّلمة، أما والله لقد حاط الإسلام وأكّده، وعضّد الدّين وأيّده، ولقد هدم الله به صياصي أهل الشّرك، ووقم «١» أركان الكفر، لله المصيبة به، ما أفجعها! والفجيعة به ما أوجعها! صدّع والله مقتله صفاة الدّين، وثلمت مصيبته ذروة الإسلام، تبّا لقاتله، أعاذنا الله وإياكم من التلبّس بدمه، والرّضا بقتله.
فقال الوزير: ما أفصح لسانها، وأشجع جنانها، في ذلك المحفل الذي يتبلبل فيه كلّ قلقل! ورويت أيضا أنّها قالت: مكارم الأخلاق عشر: صدق الحديث، وصدق البأس، وأداء الأمانة، وصلة الرّحم، وبذل المعروف، والتّذمّم للجار، والتّذمّم للصّاحب، والمكافأة بالصّنائع، وقرى الضّيف، ورأسهنّ الحياء.
فقال: والله لكأنّها نغمات النبي صلّى الله عليه وسلّم، ما كان أشهمها، وأعلى نظرها، وأبين جوابها!! وحدّثني أنّ امرأة تظلّمت إلى مسلم بن قتيبة بخراسان، فزبرها، ولم ينظر في قصّتها، فقالت له: إنّ أمير المؤمنين بعثك إلى خراسان لتنظر هل تثبت خراسان بلا عامل أم لا، فقال لها مسلم: اسكتي ويلك، فظلامتك مسموعة، وحاجتك مقضيّة.
وقال مسلم: ما وخز قلبي قطّ شيء مثل قول هذه المرأة، ولقد آليت ألّا أستهين بأحد من ذكر أو أنثى.
وشبيه بهذا قول المعلّى بن أيّوب: رأيت في دار المأمون إنسانا فازدريته، فقلت: لأيّ شيء تصلح أنت؟ على غيظ منّي وتغضّب، فقال: أنا أصلح لأن يقال لي: هل يصلح مثلك لما أنت فيه أولا. قال: فو الله ما وقرت كلمته في أذني حتّى أظلم عليّ الجوّ ونكرت نفسي.