وكان عبد الملك بن مروان إذا كان له خصيّ ووضيء أمر أن يحجب عن نسائه، وقال: هو رجل وإن قطع منه ما قطع، وربّما اجتزأت امرأة بمثلها، وللعين حظّها.
قال عبد الرحمن بن سعيد القرشيّ: كان لهشام بن عبد الملك خصيّ يقال له خالد، وكان وضيئا تأخذه العين، مديد القامة، فخما أبيض، فأمر هشام مسلمة بالغدوّ مسلمة، فحقدها عليه، فلمّا دخل مسلمة إلى هشام لم يزل يذاكره شيئا، ويشير عليه حتى حطّ عن فرشه وجلسا على البساط ومسلمة في ذلك يرمق الخصيّ متى يمرّ به، فلم يلبث أن مرّ معمّما بعمامة وشيء، فقال مسلمة: يا أمير المؤمنين، أيّ فتياننا هذا؟
قال: غفر الله لك يا أبا سعد، هذا خالد الخصيّ، قال: فقال: يا أمير المؤمنين، لضمّة من هذا خير من مجامعة رجل، فقلق هشام وجعل يتضوّر حتى قام مسلمة، ثم أمر بالخادم فأخرج من الرّصافة، فاتّصل ببعض بنيه، فكتب إليه هشام: إني نحّيته لما بلغك، فجفاه، فلحق الخادم بالثّغر.
وجرى حديث النّفس وأنّها كيف تعلم الأشياء.
فقيل: النّفس في الأصل علّامة، والعلم صورتها، لكنّها لما لابست البدن، وصار البدن بها إنسانا، اعترضت حجب بينها وبين صورتها كثيفة ولطيفة، فصارت تخرق الحجب بكلّ ما استطاعت لتصل إلى ما لها من غيبها، فصارت تعلم الماضي بالاستخبار والتّعرّف والبحث والمسألة والتّنقير، وتعلم الآتي بالتّلقّي والتوكّف والتّبشير والإنذار، وتعلم الحاضر بالتّعارف والمشاهدة ومجال الحسّ، وهذه المعلومات كلّها زمانيّة، ولهذا انقسم بين الماضي والآتي والحاضر.
فأمّا ما هو فوق الزمان فإنّها تعلمه بالمصادفة الخارجة من الزّمان، العالية على حصر الدّهر، وهذه عبارة عن وجدانها، لما لها في غيبها بالحركة اللّائقة بها، أعني الحركة التي هي في نوع السّكون، وأعني بهذا السكون الذي هو في نوع الحركة، ولمّا فقد الاسم الخاصّ بهذا المعنى، ولم يعرف في الإخبار والاستخبار إلّا ما كان مألوفا بالزّمان، التبست العبارة عنه باعتماد السّكون فيما يلحظ منه الحركة، واعتماد الحركة فيما يلحظ منه السّكون، فصار هذا الجزء كأنّه ناقض ومنقوض، وهذا لجذب محلّ الحسّ من نبت العقل، وخصب مراد العقل بكلّ ما علق بالموجود الحقّ.
فقال الوزير: ما أعلى نجد هذا الكلام! وما أعمق غوره! وإني لأعذر كلّ من قابل هذا المسموع بالرّدّ، واعترض على قائله بالتّكبّر، ولعمري إذا تعايت الأشياء بالأسماء والصّفات، وعرض العجز عن إبانتها بحقائق الألقاب، حار العقل الإنسانيّ، وحيّر الفهم الحسّيّ، واستحال المزاج البشريّ وتهافت التركيب الطّينيّ، وقدّر النّاظر