المهلّبي، فإنّه قدّم قوما ونوّه بهم، ونبّه على فضلهم وأحوج الناظرين في أمر الملك إليهم، وإلى كفايتهم، منهم أبو الفضل العبّاس بن الحسين، ومنهم ابن معروف القاضي، ومنهم أبو عبد الله اليفرنيّ، ومنهم أبو إسحاق الصابئ، وأبو الخطّاب الصابئ، ومنهم أحمد الطّويل، ومنهم أبو العلاء صاعد، ومنهم أبو أحمد ابن الهيثم، وابن حفص صاحب الديوان، وفلان وفلان، هؤلاء إلى غير هؤلاء، كأبي تمّام الزّينبيّ، وأبي بكر الزهريّ، وابن قريعة، وأبي حامد المرورّوذيّ، وأبي عبد الله البصري، وأبي سعيد السّيرافي، وأبي محمد الفارسي، وابن درستويه، وابن البقّال، والسّريّ، ومن لا يحصى كثرة من التّجار والعدول.
وقال لي ابن سورين: كان أبو محمد يطرب على اصطناع الرّجال كما يطرب سامع الغناء على الشّبابير، ويرتاح كما يرتاح مدير الكأس على العشائر. وقال عنه:
إنّه قال: والله لأكوننّ في دولة الدّيلم، أول من يذكر، إن فاتني أن كنت في دولة بني العبّاس آخر من يذكر.
فلولا أنّك- أدام الله دولتك- أذنت لي أن أكتب إليك كلّ ما هجس في النفس، وطلع به الرّأي ممّا فيه مردّ على ما أنت فيه من هذا الثّقل الباهظ، وتنبيه على ما تباشره بكاهلك الضّخم، لم يكن خطري يبلغ مواجهتك بلفظ يثقل، وإشارة تغلظ، وكناية تخدش، لكنّك- والله يأخذ بيدك، ويقرن الصنع الجميل بظاهرك وباطنك- قد رخّصت لي في ذلك، وخصصتني به من بين غاشية بابك، وخدم دولتك، فلذلك أقول ما أقول معتمدا على حسن تقبّلك، وجميل تكفّلك، ومنتظر تفضّلك، وليس في أبواب السّياسة شيء أجدى وأنفع، وأنفى للفساد وأقمع، من الاعتبار الموقظ للنفس، الباعث على أخذ الحزم، وتجريد العزم، فإنّ الوكال والهوينا قلّما يفضيان بصاحبهما إلى درك مأمول، ونيل مراد، وإصابة متمنّي. وقد قال رجل كبير الحكمة، معروف الحنكة: المعتبر كثير، والمعتبر قليل. وصدق هذا الرّجل الصالح، وهو الحسن البصريّ.
لو اعتبر من تأخّر بمن تقدّم، لم يكن من يتحسّر في الناس ويندم، ولكنّ الله بنى هذه الدار على أن يكون أهلها بين يقظة ونوم، وبين فرح وترح، وبين حيطة وورطة، وبين حزم وغفلة، وبين نزاع وسلوة، لكنّ الآخذ بالحزم- وإن جرى عليه مكروه- أعذر عند نفسه وعند كلّ من كان في مسكه، من الملقي بيده، والمتدلّي بغروره، الساعي في ثبوره، وما وهب الله العقل لأحد إلّا وقد عرّضه للنّجاة، ولا حلّاه بالعلم إلّا وقد دعاه إلى العمل بشرائطه، ولا هداه الطريقين (أعني الغيّ والرّشد) إلّا ليزحف إلى أحدهما بحسن الاختيار.