للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في إيراده، هزيمته قبل هجومه. وإحجامه أظهر من إقدامه. وقال الصابي: هو مجتهد غير موفّق، وفاضل غير منطّق ولو خطا كان أسرع له، كما أنّه لمّا عدا كان أبطأ عليه، وطباع الجبليّ مخالف لطباع العراقيّ، يثب مقاربا فيقع بعيدا، ويتطاول صاعدا فيتقاعس قعيدا.

وقال عليّ بن جعفر: ممّ كانت الطبائع! هو يكذب نفسه بحسن الظنّ في البلاغة، وطباعه تصدق عنه بالتخلّف، فهو يشين اللفظ ويحيل المعنى، فأما شينه اللفظ فبالجفوة والغلظة والإخلال والفجاجة، وأمّا إحالته فبالإبعاد عن حومة القصد والإرادة، والعجب أنه يحفظ الطّمّ والرّمّ «١» من النثر والنظم، ثم إذا ادّعاهما يقع دونهما سقوطا، أو يتجاوزهما فروطا، هذا مع الكبر الممقوت والتشيّع الظاهر، والدعوى العارية من البيّنة العادلة.

وأما أحسن ما كتب به أحمد بن إسماعيل بن الخطيب إلى آخر: الكبر- أعزّك الله- معرض يستوي فيه النّبيه ذكرا، والخامل قدرا، ليس أمامه حاجب يمنعه، ولا دونه حاجز يحظره، والناس أشدّ تحفّظا على الرئيس المحظوظ، وأكثر اجتلاء لأفعاله، وتتبّعا لمعايبه، وتصفّحا لأخلاقه، وتنقيرا عن خصاله منهم عن خامل لا يعبأ به، وساقط لا يكترث له، فيسير عيب الجليل يقدح فيه، وصغير الذنب يكبر منه، وقليل الذمّ يسرع إليه، ولابن هند وفي هذا المعنى:

العيب في الرجل المذكور مذكور ... والعيب في الخامل المستور مستور

كفوفة الظّفر تخفى من مهانتها ... ومثلها في سواد العين مشهور

وقال الزّهيري: قد نجم بأصبهان ابن لعبّاد في غاية الرقاعة والوقاحة والخلاعة وإن كان له يوم، فسيشقى به قوم. سمعته يقول هذا سنة اثنتين وخمسين في مجلس من الفقهاء.

وقال ابن حبيب: قال بعض الحكماء: إن للنفس أمراضا كأمراض البدن إلا أن فضل أمراض النفس على أمراض البدن في الشرّ والضرر كفضل النفس على البدن في الخير، وصاحبنا- يعني ابن عبّاد- مريض عندنا، صحيح عند نفسه، زيف بنقدنا، جيّد بنقده، ولو قامت السّوق على ساقها، وتناصف المتعاملون فيها، ولم يقع إكراه في أخذ ولا إعطاء، عرف البهرج «٢» الذي ضرب خارج الدار والجيّد الذي ضرب داخل الدار.

وقال أحمد بن محمد: إذا أنصفنا التزمنا مزيّة العراقيّين علينا بالطبع اللطيف والمأخذ القريب، والسّجع الملائم، واللفظ المونق، والتأليف الحلو، والسّبوطة

<<  <   >  >>