أمّة فضائل ورذائل ولكلّ قوم محاسن ومساو، ولكلّ طائفة من الناس في صناعتها وحلّها وعقدها كمال وتقصير، وهذا يقضي بأنّ الخيرات والفضائل والشرور والنقائص مفاضة على جميع الخلق، مفضوضة بين كلّهم.
فللفرس السياسة والآداب والحدود والرسوم، وللرّوم العلم والحكمة، وللهند الفكر والرويّة والخفّة والسّحر والأناة، وللتّرك الشجاعة والإقدام، وللزّنج الصبر والكدّ والفرح، وللعرب النّجدة والقرى والوفاء والبلاء والجود والذّمام والخطابة والبيان.
ثم إنّ هذه الفضائل المذكورة، في هذه الأمم المشهورة، ليست لكلّ واحد من أفرادها، بل هي الشائعة بينها، ثم في جملتها من هو عار من جميعها، وموسوم بأضدادها، يعني أنه لا تخلو الفرس من جاهل بالسياسة، خال من الأدب، داخل في الرّعاع والهمج، وكذلك العرب لا تخلو من جبان جاهل طيّاش بخيل عييّ وكذلك الهند والرّوم وغيرهم، فعلى هذا إذا قوبل أهل الفضل والكمال من الرّوم بأهل الفضل والكمال من الفرس، تلاقوا على صراط مستقيم، ولم يكن بينهم تفاوت إلّا في مقادير الفضل وحدود الكمال، وتلك لا تخصّ بل تلمّ. وكذلك إذا قوبل أهل النقص والرذيلة من أمّة بأهل النقص والخساسة من أمّة أخرى، تلاقوا على نهج واحد، ولم يقع بينهم تفاوت إلّا في الأقدار والحدود، وتلك لا يلتفت إليها، ولا يعار «١» عليها، فقد بان بهذا الكشف أنّ الأمم كلّها تقاسمت الفضائل والنقائص باضطرار الفطرة، واختيار الفكرة. ولم يكن بعد ذلك إلّا ما يتنازعه الناس بينهم بالنسبة الترابيّة، والعادة المنشئيّة والهوى الغالب من النّفس الغضبيّة، والنّزاع الهائج من القوّة الشهويّة.
وها هنا شيء آخر، وهو أصل كبير لا يجوز أن يخلو كلامنا من الدلالة عليه والإيماء إليه، وهو أنّ كلّ أمّة لها زمان على ضدها، وهذا بيّن مكشوف إذا أرسلت وهمك في دولة يونان والإسكندر، لمّا غلب وساس وملك ورأس وفتق ورتق ورسم ودبّر وأمر، وحثّ وزجر، ومحا وسطّر، وفعل وأخبر، وكذلك إذا عطفت إلى حديث كسرى أنو شروان وجدت هذه الأحوال بأعيانها، وإن كانت في غلف غير غلف الأوّل، ومعارض غير معارض المتقدّم، ولهذا قال أبو مسلم صاحب الدولة حين قيل له: أي الناس وجدتهم أشجع؟ فقال: كل قوم في إقبال دولتهم شجعان. وقد صدق، وعلى هذا كلّ أمّة في مبدأ سعادتها أفضل وأنجد وأشجع وأمجد وأسخى وأجود وأخطب وأنطق وأرأى وأصدق، وهذا الاعتبار ينساق من شيء عامّ لجميع الأمم، إلى شيء شامل لأمّة أمة إلى شيء حاو لطائفة، إلى شيء غالب على قبيلة قبيلة،