فيه، النحويّ إذا قال «في» للوعاء فقد أفصح في الجملة عن المعنى الصحيح، وكنى مع ذلك عن الوجوه التي تظهر بالتفصيل، ومثل هذا كثير، وهو كاف في موضع التّكنية.
فقال ابن الفرات: أيّها الشيخ الموفّق، أجبه بالبيان عن مواقع «الواو» حتى تكون أشدّ في إفحامه، وحقّق عند الجماعة ما هو عاجز عنه، ومع هذا فهو مشنّع به.
فقال أبو سعيد: للواو وجوه ومواقع: منها معنى العطف في قولك: «أكرمت زيدا وعمرا» ومنها القسم في قولك: «والله لقد كان كذا وكذا» ومنها الاستئناف في قولك: «خرجت وزيد قائم» لأن الكلام بعده ابتداء وخبر، ومنها معنى ربّ الّتي هي للتقليل نحو قولهم «١» :
وقاتم الأعماق خاوي المخترق
ومنها أن تكون أصلية في الاسم، كقولك: واصل واقد وافد، وفي الفعل كذلك، كقولك: وجل يوجل، ومنها أن تكون مقحمة نحو قول الله عزّ وجلّ: فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنادَيْناهُ
[الصافات: ١٠٣، ١٠٤] ، أي ناديناه، ومثله قول الشاعر «٢» :
فلما أجزنا ساحة الحيّ وانتحى
المعنى: انتحى بنا، ومنها معنى الحال في قوله عزّ وجلّ: وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا
[آل عمران: ٤٦] أي يكلّم الناس في حال كهولته، ومنها أن تكون بمعنى حرف الجرّ، كقولك: استوى الماء والخشبة أي مع الخشبة.
فقال ابن الفرات لمتّى: يا أبا بشر: أكان هذا في نحوك.
ثم قال أبو سعيد: دع هذا، هاهنا مسألة علاقتها بالمعنى العقليّ أكثر من علاقتها بالشكل اللّفظي، ما تقول في قول القائل: «زيد أفضل الإخوة» ؟ قال:
صحيح. قال: فما تقول إن قال: «زيد أفضل إخوتهه» ؟ قال: صحيح، قال: فما الفرق بينهما مع الصّحّة؟
فبلح «٣» وجنح وغصّ بريقه.
فقال أبو سعيد: أفتيت على غير بصيرة ولا استبانة، المسألة الأولى جوابك عنها صحيح وإن كنت غافلا عن وجه صحّتها، والمسألة الثانية جوابك عنها غير صحيح وإن كنت أيضا ذاهلا عن وجه بطلانها.
قال متّى: بيّن لي ما هذا التهجين؟