مشروحة، فتدّعون الشّعر ولا تعرفونه وتذكرون الخطابة وأنتم عنها في منقطع التراب، وقد سمعت قائلكم يقول: الحاجة ماسّة إلى كتاب البرهان. فإن كان كما قال فلم قطع الزمان بما قبله من الكتب، وإن كانت الحاجة قد مسّت إلى ما قبل البرهان، فهي أيضا ماسّة إلى ما بعد البرهان، وإلّا فلم صنّف ما لا يحتاج إليه ويستغنى عنه. هذا كلّه تخليط وزرق وتهويل ورعد وبرق.
وإنما بودّكم أن تشغلوا جاهلا، وتستذلّوا عزيزا؟ وغايتكم أن تهوّلوا بالجنس والنوع والخاصّة والفصل والعرض والشخص، وتقولوا: الهليّة والأينيّة والماهيّة والكيفيّة والكميّة والذاتيّة والعرضيّة والجوهريّة والهيوليّة والصورية والأيسية واللّيسيّة والنفسيّة؟ ثم تتطاولون فتقولون:«جئنا بالسّحر» في قولنا: «لا»«١» في شيء من «ب» و «ج» في بعض «ب» ، ف «لا» في بعض «ج» و «لا» في كلّ «ب» و «ج» في كل «ب» فإذن «لا» في كل «ج» ، هذا بطريق الخلف، وهذا بطريق الاختصاص.
وهذه كلّها خرافات وترّهات، ومغالق وشبكات، ومن جاد عقله وحسن تمييزه ولطف نظره وثقب رأيه وأنارت نفسه استغنى عن هذا كلّه- بعون الله وفضله- وجودة العقل وحسن التمييز ولطف النظر وثقوب الرأي وإنارة النفس من منائح الله الهنيّة، ومواهبه السنيّة، يختصّ بها من يشاء من عباده وما أعرف لاستطالتكم بالمنطق وجها، وهذا الناشئ أبو العباس قد نقض عليكم وتتبّع طريقتكم، وبيّن خطأكم، وأبرز ضعفكم، ولم تقدروا إلى اليوم أن تردّوا عليه كلمة واحدة مما قال، وما زدتم على قولكم: لم يعرف غرضنا ولا وقف على مرادنا، وإنّما تكلّم على وهم. وهذا منكم تحاجز ونكول ورضى بالعجز وكلول، وكلّ ما ذكرتم في الموجودات فعليكم فيه اعتراض هذا قولكم في «يفعل وينفعل» لم تستوضحوا فيهما مراتبهما ومواقعهما، ولم تقفوا على مقاسمهما، لأنكم قنعتم فيهما بوقوع الفعل من «يفعل» وقبول الفعل من «ينفعل» ، ومن وراء ذلك غايات خفيت عليكم، ومعارف ذهبت عنكم وهذا حالكم في الإضافة.
فأما البدل ووجوهه، والمعرفة وأقسامها، والنكرة ومراتبها، وغير ذلك مما يطول ذكره، فليس لكم فيه مقال ولا مجال.
وأنت إذا قلت لإنسان:«كن منطقيا» ، فإنما تريد: كن عقليّا أو عاقلا أو اعقل ما تقول لأنّ أصحابك يزعمون أن النّطق هو العقل، وهذا قول مدخول، لأن النطق على وجوه أنتم عنها في سهو.
وإذا قال لك آخر:«كن نحويّا لغويّا فصيحا» فإنما يريد: افهم عن نفسك ما تقول، ثم رم أن يفهم عنك غيرك.