وقال لي الدّارقطنيّ سنة سبعين: أنا جمعت ذلك لابن حنزابة على طريق المعونة.
وكتب إليه أبو جعفر ملك سجستان على يد شيخنا أبي سليمان كتابا يخاطبه فيه بالشيخ الفرد، سأله عن سبعين مسألة في القرآن، ومائة كلمة في العربية وثلاثمائة بيت من الشعر، هكذا حدّثني به أبو سليمان، وأربعين مسألة في الأحكام وثلاثين مسألة في الأصول على طريق المتكلّمين.
قال لي الوزير: وهذه المسائل والجواب عنها عندك؟ قلت: نعم. قال: في كم تقع؟ قلت: لعلّها تقع في ألف وخمسمائة ورقة، لأنّ أكثرها في الظهور. قال: ما أحوجنا إلى النظر فيها والاستمتاع بها والاستفادة منها! وأين الفراغ وأين السكون؟
ونحن كلّ يوم ندفع إلى طامّة تنسي ما سلف، وتوعد بالداهية، اللهم هذه ناصيتي بيدك، فتولّني بالعصمة، واخصصني بالسلامة، واجعل عقباي إلى الحسنى.
ثم قال: صل حديثك.
قلت: وأما أبو عليّ فأشدّ تفرّدا بالكتاب «١» وأشدّ إكبابا عليه، وأبعد من كلّ ما عداه ممّا هو علم الكوفيّين، وما تجاوز في اللّغة كتب أبي زيد، وأطرافا ممّا لغيره، وهو متّقد بالغيظ على أبي سعيد، وبالحسد له، كيف تمّ له تفسير كتاب سيبويه من أوّله إلى آخره بغريبه وأمثاله وشواهده وأبياته ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ
[المائدة: ٥٤] ، لأنّ هذا شيء ما تمّ للمبرّد ولا للزجّاج ولا لابن السّرّاج ولا لابن درستويه مع سعة علمهم، وفيض كلامهم.
ولأبي عليّ أطراف من الكلام في مسائل أجاد فيها ولم يأتل، ولكنه قعد على الكتاب على النّظم المعروف.
وحدّثني أصحابنا أن أبا عليّ اشترى شرح أبي سعيد في الأهواز في توجّهه إلى بغداد سنة ثمان وستين- لاحقا بالخدمة المرسومة به، والنّدامة الموقوفة عليه- بألفي درهم، وهذا حديث مشهور، وإن كان أصحابه يأبون الإقرار به إلّا من زعم أنّه أراد النقض عليه، وإظهار الخطأ فيه.
وقد كان الملك السعيد- رضي الله عنه- همّ بالجمع بينهما فلم يقض له ذلك، لأنّ أبا سعيد مات في رجب سنة ثمان وستّين وثلاثمائة.
وأبو عليّ يشرب ويتخالع ويفارق هدي أهل العلم وطريقة الربانيّين وعادة المتنسّكين.