للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد الله على جزيل نعمه، ووفور أفضاله وعموم فضله وغزير فعاله، وصلى الله على سيدنا محمد وآله، وبعد:

فهذه مقالة لطيفة، وتحفة سنية شريفة في حرص النفوس الفاضلة على بقاء الذكر. أسأل الله تعالى أن يجعل لنا ثناء حسنا في الصالحين، وأن يحبونا بالزلفى يوم الدين بمنّه وكرمه آمين.

اعلم أن البقاء من أحسن صفات الله تعالى، فاتصاف العبد بما أمكن من البقاء هو أعلى صفاته وأفضلها؛ إذ ليس للعبد من نفسه إلا العدم، وأما الوجود فمن قبل الله تعالى، وقد تقرر في موضعه من الحكمة أن لكل شىء غاية، فغاية المعدن أن يصير ذهبا، وغاية النبات النخلة، وغاية الحيوان الإنسان، وغاية الإنسان أن يكون عالما، وغاية العالم أن يكون ملكا مقربا باقيا بالذكر، فالفاضل هو الذى يحرص على بقاء ذكره دائما، قال الله تعالى حكاية عن إمام الحنفاء إبراهيم الخليل عليه السلام أنه قال: وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ

«١» والمراد باللسان: القول، فوضع اللسان موضع القول. قال عبد الله بن عباس رضى الله عنهما: هو إجماع الأمم عليه، وعن مجاهد والحسن: الثناء الحسن، وعن مجاهد قال: ما أراد إلا الثناء الحسن، فليس أمة إلا وهى توده «٢» ، وقيل: معناه «٣» : سؤاله أن يكون من ذريته في آخر الزمان من يقوم بالحق فاستجيب دعاؤه في نبينا محمد صلى الله عليه وسلّم. وعن القشيرى «٤» [قال] : أراد الدعاء الحسن له إلى القيام الساعة، فإن زيادة الثواب مطلوبة في كل وقت ومن كل أحد «٥» . وقد جعل الله تعالى ذلك لإبراهيم عليه

<<  <   >  >>