للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وضراء، يوضئون أطرافهم، ويأتزرون في أوساطهم، يصفّون في صلاتهم كما يصفّون في قتالهم، دويّهم في مساجدهم كدوىّ النّحل يسمع مناديهم في جوّ السّماء» «١» .

وقال بعض الحكماء لتلامذته: «كونوا كالنّحل في الخلايا» قالوا: «وكيف النّحل في الخلايا؟» قال: «إنها لا تترك عندها بطّالا إلّا نفته، وأقصته عن الخلية؛ لأنه يضيق المكان، ويفنى العسل، ويعلّم النشيط الكسل» «٢» .

وقال الشيخ أبو حامد الغزالى في كتاب «الإحياء» «٣» : انظر إلى النّحل كيف أوحى الله إليها حتى اتّخذت من الجبال بيوتا، وكيف استخرجت من لعابها الشمع والعسل، وجعل أحدهما ضياء، والآخر شفاء؛ ثم لو تأمّلت عجائب أمرها في تناولها الأزهار والأنوار، واحترازها من النجاسات والأقذار، وطاعتها لواحد من جملتها، وهو أكبرها شخصيا، وهو أميرها؛ ثم ما سخّر الله تعالى لأميرها من العدل والإنصاف بينها حتى أنه ليقتل منها على باب المنفذ كلّ ما وقع منها على نجاسة، لقضيت من ذلك العجب إن كنت بصيرا في نفسك، وفارغا من همّ بطنك وفرجك وشهوات نفسك، فى معاداة أقرانك، وموالاة إخوانك.

ثم دع عنك جميع ذلك، وانظر إلى بنيانها من الشمع، واختيارها من جميع الأشكال الشكل المسدّس، فلا تبنى منها مستديرا، ولا مربّعا، ولا مخمسا، إلّا مسدّسا، لخاصية في شكل المسدس يقصر فهم المهندسين عن درك ذلك، وهو أنّ أوسع الأشكال وأحواها: المستدير وما يقرب منه. فإنّ المربّع تخرج منه زوايا ضائعة، وشكل النّحل مستدير ومستطيل، فترك المربّع حتى لا تبقى الزّوايا فارغة، ثم لو بناها مستديرة لبقيت خارج البيوت فرج ضائعة، فإنّ الأشكال المستديرة إذا اجتمعت لم تجتمع متراصّة، ولا شكل في الأشكال ذوات الزوايا يقرب في

<<  <   >  >>