فجروا على ذلك فيما بعد. وهذا المأمون «١» عبد الله بن هارون الرشيد قد أثر في الإسلام أقبح أثر، وهو أنه عرّب كتب الفلسفة حتى كاد بها أهل الزيغ والإلحاد للإسلام وأهله، وحمل مع ذلك الناس كافة على القول بخلق القرآن، وامتحنهم فيه أشد محنة، وأكثر من شراء الأتراك وتغالى في أثمانهم، حتى كان يشترى المملوك منهم بمائتى ألف درهم، وافتدى به أخوه أبو إسحاق المعتصم «٢» ، فاشتد على الناس فى امتحانهم بالقول بخلق القرآن، وانتهك أعراضهم وبرح بالضرب الشديد أبشارهم، وأخرج العرب- قوم رسول الله صلى الله عليه وسلّم الذين أقام الله بهم دين الإسلام- من الديوان، وأسقط عطاءهم فسقط فلم يفرض لهم بعده عطاء، وأقام بدلهم من الترك «٣» ، وخلع لباس العرب وزيهم ولبس التاج وتزيا بزى العجم الذين بعث الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلّم بقتلهم وقتالهم، فزالت به وعلى يديه الدولة العربية، وتحكم منذ عهده وأيام دولته الأتراك الذين أنذر رسول الله صلى الله عليه وسلّم بقتالهم، فغلبوا من بعده على الممالك، وسلطهم على ابنه جعفر المتوكل فقتلوه ثم قتلوا ابنه المستعين وتلاعبوا بدين الله وتغلبوا على الأطراف كلها، وفعل المتوكل جعفر بن المعتصم «٤» فى خلافته من الانهماك في الترف المنهى عنه ما يقبح مثله من آحاد الرعية، وجهر بالسوء من القول في أمير المؤمنين على بن أبى طالب «٥» رضى الله عنه، حتى قتله الله بيد أعوانه- وهو أنه كتب إلى الآفاق بأن لا يقبل علوى ضيعة ولا يركب فرسا