فجلل دائره الاعلى كله شمعا، وأحدق الشمع في الأتوار به، فاكتنفته هالات من نور، ونصب المنبر قبالته مجللا أيضا بالكسوة الملونة. واحتفل الناس لمشاهدة هذا المنظر النير أعظم من الاحتفال الاول. فختم الصبيّ المذكور ثم برز من محرابه الى منبره يسحب أذيال الحفر في أثواب رائقة المنظر، فتسور منبره وأشار بالسلام على الحاضرين وأبتدأ خطبته بسكينة ولين ولسان على حالة الحياء مبين. فكأن الحال على طفولتها كانت أوقر من الاولى وأخشع، والموعظة أبلغ، والتذكرة أنفع.
وحضر القرّاء بين يديه على الرسم الاول. وفي أثناء فصول الخطبة يبتدرون القراءة فيسكت خلال اكمالهم الآية التي انتزعوها من القرآن ثم يعود الى خطبته وبين يديه في درجات المنبر طائفة من الخدمة يمسكون اتوار الشمع بأيديهم ومنهم من يمسك المجمرة تسطع بعرف العود الرطب الموضوع فيها مرة بعد أخرى. فعند ما يصل الى فصل من تذكير أو تخشيع يرفعون أصواتهم بيا رب يا رب يكرّرونها ثلاثا أو أربعا، وربما جاراهم في النطق بعض الحاضرين، الى أن فرغ من خطبته ونزل. وجرى الامام اثره على الرسم من الاطعام لمن حضر من أعيان المكان اما باستدعائهم الى منزله تلك الليلة أو بتوجيه ذلك الى منازلهم.
ثم كانت ليلة سبع وعشرين، وهي ليلة الجمعة بحساب يوم الاحد، فكانت الليلة الغراء، والختمة الزهراء، والهيبة الموفورة الكهلاء، والحالة التي تمكن عند الله تعالى في القبول والرجاء. وأي حالة توازي شهود ختم القرآن ليلة سبع وعشرين من رمضان خلف المقام الكريم وتجاه البيت العظيم؟ وانها لنعمة تتضاءل لها النعم تضاؤل سائر البقاع للحرم.
ووقع النظر والاحتفال لهذه الليلة المباركة قبل ذلك بيومين أو ثلاثة، وأقيمت ازاء حطيم إمام الشافعية خشب عظام بائنة الارتفاع موصول بين كل ثلاث منها بأذرع من الاعواد الوثيقة، فاتصل منها صف كاد يمسك نصف الحرم