وهذا السلطان الذي سن هذه السنن المحمودة ورسم هذه الرسوم الكريمة على عدمها في المدة البعيدة هو صلاح الدين أبو المظفر يوسف بن أيوب، وصل الله صلاحه وتوفيقه.
ومن أعجب ما اتفق للغرباء أن بعض من يريد التقرب بالنصائح الى السلطان ذكر ان أكثر هؤلاء يأخذون جراية الخبز ولا حاجة لهم بها رغبة في المعيشة لأنهم لا يصلون الا بزاد يقلهم. فكاد يؤثر سعي هذا المتنصح. فلما كان في احد الأيام خرج السلطان المذكور على سبيل التطلع خارج بلده، فتلقى منهم جماعة قد لفظتهم الصحراء المتصلة بطرابلس، وهم قد ذهبت رسومهم عطشا وجوعا.
فسألهم عن وجهتهم واستطلع ما لديهم. فأعلموه أنهم قاصدون بيت الله الحرام وانهم ركبوا البر وكابدوا مشقة صحرائية. فقال: لو وصل هؤلاء وهم قد اعتسفوا هذه المجاهل التي اعتسفوها وكابدوا من الشقاء ما كابدوه وبيد كل واحد منهم زنته ذهبا وفضة لوجب ان يشاركوا ولا يقطعوا عن العادة التي اجريناها لهم، فالعجب ممن يسعى على مثل هؤلاء ويروم التقرب الينا بالسعي في قطع ما أوجبناه لله عز وجل خالصا لوجهه.
ومآثر هذا السلطان ومقاصده في العدل ومقاماته في الذّب عن حوزة الدين لا تحصى كثرة.
ومن الغريب ايضا في أحوال هذا البلد تصرّف الناس فيه بالليل كتصرفهم بالنهار في جميع أحوالهم. وهو أكثر بلاد الله مساجد، حتى إن تقدير الناس لها يطفّق فمنهم المكثّر والمقلّل، ينتهي في تقديره الى اثني عشر ألف مسجد، والمقلل ما دون ذلك لا ينضبط، فمنهم من يقول ثمانية آلاف ومنهم من يقول غير ذلك. وبالجملة فهي كثيرة جدا تكون منها الأربعة والخمسة في موضوع وربما كانت مركبة «١» ، وكلها بأئمة مرتبين من قبل السلطان، فمنهم من له الخمسة دنانير مصرية في الشهر، وهي عشرة مؤمنية، ومنهم من له فوق ذلك