ومنهم من له دونه. وهذه منقبة كبيرة من مناقب السلطان. إلى غير ذلك مما يطول ذكره من المآثر التي يضيق عنها الحصر.
ثم كان الانفصال عنها على بركة الله تعالى وحسن عونه صبيحة يوم الأحد الثامن لذي الحجة المذكور، وهو الثالث لأبريل، فكانت مرحلتنا منه الى موضع يعرف بدمنهور، وهو بلد مسور في بسيط من الأرض أفيح، متصل من الإسكندرية اليه الى مصر. والبسيط كله محرّث يعمه النيل بفيضه، والقرى فيه يمينا وشمالا لا تحصى كثرة.
ثم في اليوم الثاني وهو يوم الاثنين، أجزنا النيل بموضع يعرف بصا في مركب تعدية. واتصل سيرنا الى موضع يعرف ببرمة فكان مبيتنا بها، وهي قرية كبيرة فيها السوق وجميع المرافق. ثم بكرنا منها يوم الثلاثاء، وهو يوم عيد النحر من سنة ثمان وسبعين وخمس مئة المؤرخة، فشاهدنا الصلاة بموضع يعرف بطندتة «١» ، وهي من القرى الفسيحة الآهلة، فأبصرنا بها مجمعا حفيلا، وخطب الخطيب بخطبة بليغة جامعة. واتصل سيرنا الى موضع يعرف بسبئك وكان مبيتنا بها.
واجتزنا في ذلك اليوم على موضع حسن يعرف بمليج، والعمارة متصلة والقرى منتظمة في طريقنا كلها. ثم بكرنا منها يوم الأربعاء بعده. فمن أحسن بلد مررنا عليه موضع يعرف بقليوب على ستة أميال من القاهرة فيه الأسواق الجميلة ومسجد جامع كبير حفيل البنيان، ثم بعده المنية، وهو موضع أيضا حفيل، ثم منها الى القاهرة، وهي مدينة السلطان الحفيلة المتسعة، ثم منها الى مصر المحروسة. وكان دخولنا فيها إثر صلاة العصر من يوم الأربعاء، وهو الحادي عشر من ذي الحجة المذكور والسادس من أبريل، عرّفنا الله فيها الخير والخبرة وتمّم علينا صنعه الجميل بالوصول الى الغرض المأمول ولا أخلانا من التيسير والتسهيل بعزّته وقدرته، انه على ما يشاء قدير.