واظهارا لفعلها، واستجلابا للدعاء لها من الناس، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا. وقد تقدم تفسير هذه اللفظة خاتون، وأنها عندهم بمنزلة السيدة أو ما يليق بهذا اللفظ الملوكي النسائي.
ومن عجيب هذه المحلة أيضا، على عظمها وكبرها، وكونها وجود دنيا بأسرها، أنها اذا حطت رحالها، ونزلت منزلها، ثم ضرب الأمير طبله للإنذار بالرحيل، ويسمونه الكوس، لم يكن بين استقلال الرواحل بأوقارها ورحالها وركابها الا كلا ولا، فلا يكاد يفرغ الناقر من الضربة الثالثة الا والركائب قد أخذت سبيلها. كل ذلك من قوة الاستعداد، وشدة الاستظهار على الأسفار، والحول والقوة لله وحده، لا اله سواه.
واسراؤها بالليل بمشاعيل موقدة يمسكها الرجالة بأيديهم، فلا تبصر قشاوة من القشاوات الا وأمامها مشعل، فالناس يسيرون منها بين كواكب سيارة توضح غسق الظلماء، وتباهي بها الأرض أنجم السماء. والمرافق الصناعية وغيرها من المصالح الدينية والمنافع الحيوانية كلها موجودة بهذه المحلة غير معدومة، ووصفها يطول، والأخبار عنها لا تنحصر.
فلما كان ظهر يوم الاثنين اثر الصلاة أقلعنا من خليص مرتحلين، وتمادى سيرنا الى العشاء الآخرة، ثم نزلنا ونمنا نومة خفيفة، ثم ضرب الكوس فأقلعنا وأسرينا الى ضحى من النهار، ثم نزلنا مريحين الى أول الظهر من يوم الثلاثاء، ثم أقلعنا من منزلنا ذلك الى واد يعرف بوادي السمك، اسم يكاد يكون واقعا على غير مسمى، فنزلناه مع العشاء الآخرة، وأصبحنا به مقيمين يوم الأربعاء لتجديد حمل الماء، وهو بهذا الوادي في مستنقعات، وربما حفر عليه في الرمل، فأقلعنا منه أول ظهر يوم الأربعاء المذكور، ثم أجزنا مع الليل عقبة محجرة كؤودا ذهب فيها من الجمال كثير. ونزلنا في بسيط من الأرض، ونمنا الى نصف الليل، ثم رحلنا في مهمه افيح بسيط ممتد مد البصر، ورمله منثالة، فمشت الجمال فيها دون مقطرة لانفساح طريقها.