لله. والماء بهذا الموضع كثير في آبار تمدها عيون تحت الأرض، ووجد الحاج فيها مصنعا قد اجتمع فيه الماء من المطر، فانتزف للحين، وامتلأت أيدي الحاج القرمين من أغنام العرب بالمبايعة المذكورة، فلم يبق مضرب ولا خيمة ولا ظلالة الا والى جانبها كبش او كبشان، بحسب القدرة والوجد. فعم جميع المحلة غنم العرب. وكان ذلك اليوم عيدا من الأعياد، وكذلك عمّتهم ايضا جمالهم لمن أراد الابتياع منهم من الجمالين وسواهم للاستظهار على الطريق. وأما السمن والعسل واللبن فلم يبق الا من تحمّل أو استعمل منها بقدر حاجته.
وأقام الناس يومهم ذلك مريحين بها الى ظهر يوم الاثنين بعده، ثم أسروا نصف الليل ترتيب سيرهم المذكور قبل، ونزلوا ضحوة يوم الثلاثاء الثامن عشر لمحرم، وهو أول يوم من مايه، بموضع يعرف بالأجفر، وهو مشتهر عندهم بموضع جميل وبثينة العذريين، ثم أقلعنا ظهر يوم الثلاثاء المذكور على العادة ونزلنا بالبيداء مع العشاء الآخرة، ثم أسرينا منها ونزلنا ضحوة يوم الأربعاء بزرود، وهي وهدة في بسيط من الأرض فيها رمال منهالة، وبها حلق كبير داخله دويرات صغار هو شبيه الحصن، يعرف بهذه الجهات بالقصر. والماء بهذا الموضع في آبار غير عذبة، فنزلنا ضحوة يوم الخميس الموفي عشرين لمحرم، والثالث لمايه، بموضع يعرف بالثعلبية ولها مبنى شبه الحصن خرب لم يبق منه الا الحلق، وبإزائه مصنع كبير الدّور من أوسع ما يكون من الصهاريج وأعلاها، والمهبط اليه على أدراج كثيرة من ثلاث جهات، وكان فيه من ماء المطر ما عمّ جميع المحلة. ووصل الى هذا الموضع جمع كثير من العرب رجالا ونساء واتخذوا به سوقا عظيمة حفيلة للجمال والكباش والسمن واللبن وعلف الإبل، فكان يوم سوق نافقة.
وبقي من هذا الموضع الى الكوفة من المناهل التي تعم جميع المحلة ثلاثة:
أحدها زبالة، والثاني واقصة، والثالث منهل من ماء الفرات على مقربة من الكوفة. وبين هذه المناهل مياه موجودة لكنها لا تعمّ، وهذه الثلاثة المذكورة