وفي هذا الجامع المبارك مجتمع عظيم، كل يوم اثر صلاة الصبح، لقراءة سبع من القرآن دائما، ومثله اثر صلاة العصر لقراءة تسمى الكوثرية، يقرءون فيها من سورة الكوثر الى الخاتمة. ويحضر في هذا المجتمع الكوثري كل من لا يجيد حفظ القرآن. وللمجتمعين على ذلك اجراء كل يوم يعيش منه أزيد من خمس مئة انسان. وهذا من مفاخر هذا الجامع المكرم. فلا تخلو القراءة منه صباحا ولا مساء. وفيه حلقات للتدريس للطلبة، وللمدرسين فيها اجراء واسع، وللمالكية زاوية للتدريس في الجانب الغربي، يجتمع فيها طلبة المغاربة، ولهم اجراء معلوم.
ومرافق هذا الجامع المكرم للغرباء وأهل الطلب كثيرة واسعة. وأغرب ما يحدث به أن سارية من سواريه، هي بين المقصورتين القديمة والحديثة، لها وقف معلوم يأخذه المستند اليها للمذاكرة والتدريس. أبصرنا بها فقيها من أهل اشبيلية يعرف بالمرادي. وعند فراغ المجتمع السبعي من القراءة صباحا يستند كل انسان منهم الى سارية ويجلس أمامه صبي يلقنه القرآن. وللصبيان أيضا على قراءتهم جراية معلومة. فأهل الجدة من آبائهم ينزهون أبناءهم عن أخذها وسائرهم يأخذها وهذا من المفاخر الاسلامية.
وللأيتام من الصبيان محضرة كبيرة بالبلد لها وقف كبير، يأخذ منه المعلم لهم ما يقوم به وينفق منه على الصبيان ما يقوم بهم وبكسوتهم؛ وهذا أيضا من أغرب ما يحدّث به من مفاخر هذه البلاد.
وتعليم الصبيان للقرآن بهذه البلاد المشرقية كلها انما هو تلقين، ويعلمون الخط في الأشعار وغيرها، تنزيها لكتاب الله عز وجل عن ابتذال الصبيان له بالإثبات والمحو. وقد يكون في أكثر البلاد الملقن على حدة والمكتّب على حدة فينفصل من التلقين الى التكتيب، لهم في ذلك سيرة حسنة. ولذلك ما يتأتى لهم حسن الخط، لأن المعلم له لا يشتغل بغيره، فهو يستفرغ جهده في التعليم والصبي في التعلم كذلك، ويسهل عليه لأنه بتصوير يحذو حذوه.
ويستدير بهذا الجامع المكرم أربع سقايات، في كل جانب سقايات، في كل جانب سقاية، كل واحدة