وأسواق هذه البلدة من أحفل اسواق البلاد وأحسنها انتظاما وابدعها وضعا، ولا سيما قيسارياتها، وهي مرتفعات كأنها الفناديق مثقفة كلها بأبواب حديد كأنها أبواب القصور، وكل قيسارية منفردة بضبتها واغلاقها الجديدة. ولها ايضا سوق، يعرف بالسوق الكبير، يتصل من باب الجابية الى باب شرقي. وفيه بيت صغير جدا قد اتخذ مصلى، وفي قبلته حجر يقال: ان ابراهيم، صلى الله عليه وسلم، كان يكسر عليه الآلهة التي كان يسوقها أبوه للبيع.
وحديث الدار المنسوبة لعمر بن عبد العزيز، التي هي اليوم خانقة للصوفية، وهي في الدهلير الذي في الباب الشمالي المعروف بباب الناطفيين، وقد تقدم التنبيه عليها قبل هذا، حديث عجيب، وذلك ان الذي اشتراها وبناها وجعل لها الأوقاف الواسعة وأمر بأن يدفن فيها وان يختم على قبره القرآن كل جمعة وعين من تلك الاوقاف لمن يحضر ذلك كل جمعة رطلا من خبز الحوارى، وهو ثلاثة أرطال من أرطال المغرب، رجل من العجم يعرف بالسميساطي، وسميساط بلدة من بلاد العجم، وكان موصوفا بالورع والزهد، وأصل يساره وتموله، فيما ذكر لنا، أنه الفى يوما من الأيام بالدهليز المذكور ازاء الدار المذكورة رجلا أسود مريضا مطروحا بموضعه غير ملتفت اليه ولا معتنى به، فتأجر فيه والتزم تمريضه وخدمته والنظر له اغتناما للثواب من الله عز وجل، فحانت وفاة الرجل، فاستدعى ممرضه السميساطي المذكور فقال له: انت قد احسنت الي وخدمتني ولطفت في تمريضي واشفقت لحالي وغربتي، فأنا اريد ان اكافئك على فعلك بي زائدا الى مكافأة الله عز وجل عني في الآجل، ان شاء الله؛ وذلك أني كنت من أحد فتيان الخليفة المعتضد العباسي، ومعروفا بزمام الدار، وكانت لي حظوة ومكانة، فعتب علي في بعض الامر، فخرجت طريدا، فانتهيت الى هذه البلدة، فأصابني فيها من امر الله ما اصابني، فسببك الله لي رحمة، فأنا اقلدك امانة واعهد اليك فيها عهدا، اذا انا مت وغسلتني فانهض على بركة الله تعالى الى بغداد وتلطف في السؤال عن دار صاحب الزمام فتى الخليفة، فاذا