كان إثر صلاة العشاء الآخرة رفعنا منه الى ماء يعرف بالحاجر فبتنا به. واصبحنا يوم الثلاثاء بعده مقيمين به بسبب تفقد بعض الجمالين من العرب لبيوتهم، وكانت على مقربة منهم، وفي ليلة الأربعاء الخامس عشر منه، ونحن بالحاجر المذكور، خسف القمر خسوفا كليا اول الليل وتمادى الى هدء منه. ثم أصبحنا يوم الأربعاء المذكور ظاعنين، وقلنا بموضع بقلاع الضيّاع. ثم كان المبيت بموضع يعرف بمحط اللّقيطة، كل ذلك في صحراء لا عمارة فيها.
ثم غدونا يوم الخميس فنزلنا على ماء ينسب للعبدين، ويذكر انهما ماتا عطشا قبل ان يراده فسمي ذلك الموضع بهما، وقبراهما به، رحمهما الله. ثم تزودنا منه الماء لثلاثة ايام، وفوّزنا سحر يوم الجمعة السابع عشر منه، وسرنا في الصحراء نبيت منها حيث جن علينا الليل، والقوافل العيذابية والقوصية صادرة وواردة، والمفازة معمورة أمنا.
فلما كان يوم الاثنين الموفي عشرين منه نزلنا على ماء بموضع يعرف بدنقاش، وهي بئر معينة يرد فيها من الانعام والأنام ما لا يحصيهم الا الله عز وجل، ولا يسافر في هذه الصحراء الا على الإبل لصبرها على الظمإ. واحسن ما يستعمل عليها ذوو الترفيه الشقاديف، وهي أشباه المحامل، واحسن انواعها اليمانية لأنها كالأشاكيز السفرية مجلدة متسعة، يوصل منها الاثنان بالحبال الوثيقة وتوضع على البعير ولها اذرع قد حفت بأركانها يكون عليها مظلة، فيكون الراكب فيها مع عديله في كنّ من لفح الهاجرة ويقعد مستريحا في وطائه ومتكئا ويتناول مع عديله ما يحتاج اليه من زاد وسواه ويطالع متى شاء المطالعة في مصحف أو كتاب. ومن شاء، ممن يستجيز اللعب بالشطرنج، ان يلاعب عديله تفكها واجماما للنفس لاعبه. وبالجملة فانها مريحة من نصب السفر. واكثر المسافرين يركبون الإبل على أحمالها فيكابدون من مشقة سموم الحر غما ومشقة.
وفي هذا الماء وقعت بين بعض جمالي العرب اليمنيين أصحاب طريق عيذاب