الغار والحمام مفرخة فيه، فقالوا: ما دخل هنا أحد. فأخذوا في الانصراف.
فقال الصديق، رضي الله عنه. يا رسول الله! لو ولجوا علينا من فم الغار ما كنا نصنع؟ فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لو ولجوا علينا منه كنا نخرج من هناك، وأشار بيده المباركة الى الجانب الآخر من الغار، ولم يكن فيه شق، فانفتح للحين فيه باب، بقدرة الله عز وجل، وهو سبحانه قدير على ما يشاء.
وأكثر الناس ينتابون هذا الغار المبارك ويتجنبون دخوله من الباب الذي احدث الله عز وجل فيه، ويرومون دخوله من الشق الذي دخل النبي، صلى الله عليه وسلم، منه تبركا به. فيمتد المحاول لذلك على الارض ويبسط خده بإزاء الشق ويولج يديه ورأسه أولا ثم يعالج ادخال سائر جسده. فمنهم من يتأتى له ذلك بحسب قضافة بدنه، ومنهم من يتوسط بدنه فم الغار فيعضه فيروم الدخول أو الخروج فلا يقدر فينشب ويلاقي مشقة وصعوبة، حتى يتناول بالجذاب العنيف من ورائه.
فالعقلاء من الناس يجتنبونه لهذا السبب، ولا سيما ويتصل به سبب آخر مخجل فاضح، وذلك أن عوام الناس يزعمون أن الذي لا يسع عليه ويمتسك فيه ولا يلجه ليس لرشدة «١» . جرى هذا الخبر على السنتهم حتى عاد عندهم قطعا على صحته لا يشكون. فبحسب المنتشب فيه المتعذر ولوجه عليه ما يكسوه هذا الظن الفاضح المخجل، زائدا الى ما يكابده بدنه من اللز في ذلك المضيق واشرافه منه على المنية توجعا وانقطاع نفس وبرح ألم. فالبعض من الناس يقولون في مثل: ليس يصعد جبل أبي ثور الاثور.
وعلى مقربة من هذا الغار في الجبل بعينه عمود منقطع من الجبل، قد قام شبه الذراع المرتفعة بمقدار شبه القامة، وانبسط له في أعلاه شبه الكف، خارجا عن الذراع، كأنه القبة المبسوطة، بقدرة الله عز وجل، يستظل تحتها نحو