"وانقطعت الدولة الأموية من الأرض وانتثر سلك الخلافة بالمغرب وقام الطوائف بعد انقراض الخلائف وانتزى الأمراء والرؤساء من البربر والعرب والموالي بالجهات واقتسموا خطتها وتغلب بعضهم على بعض واستقل أخيرًا بأمرها منهم ملوك استفحل أمرهم وعظم شأنهم ولاذوا بالجزى للطاغية أن يظاهر عليهم أو يبتزهم ملكهم وأقاموا على ذلك برهة من الزمان حتى قطع عليهم البحر ملك العدوة وصاحب مراكش أمير المسلمين يوسف بن تاشفين اللمتوني فخلعهم وأخلى منهم الأرض". (١)
وفي هذا العصر المضطرب الزاخر بالأحداث السياسية عاش أبو محمد علي بن حزم فشاهد انحلال الخلافة الأموية واستقلال كل وال بولايته وشاهد الفترة الأولى من ملوك الطوائف. بنو عباد ملوك أشبيلية والذي أحرق ثانيهم المعتضد كتبه، وبنو جهور بقرطبة وغيرهم كثير، هذه هي حالة الأندلس في عصر ابن م حزم. ملك قوي لم يذقه إلا في نعومة أظفاره ثم اضطراب وفتن عكرت صفو شبابه وغيرت مجرى حياته ثم خضوع وصغار لأعداء الإسلام حتى دفعت الأتاوات لطاغية النصارى واستمرت تلك الحال طوال حياته وقد شاهد سقوط الدولة العامرية وبه كان سقوط وزارة أبيه، واقتحام البربر قرطبة وتنازع الأمراء على كرسي الإمارة، وقد رأى أن أهل الأندلس لم يجتمعوا إلا على بنب أمية وأن خراب البلاد واضطرابها كان من البربر. وحيث إنه من أسرة لها في السياسة شأن رأى أن عليه واجبًا نحو دينه وقومه وهو أن يشارك بما يراه سبيلًا إلى رجوع الأحوال على ما كانت عليه فناصر ثلاثة من بني أمية - المرتضى، والمستظهر،