للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمعتد بالله - ولم تطل مدتهم لتغير الأحوال وتدخل النصارى والاستعانة بهم من قبل بعض الأمراء المسلمين حتى بلغت الأحوال بهم إلى دفع الإتاوات لهم. رأى كل هذا فأثر في نفسه تأثيرات متشعبة، شعور بالألم والحزن على قرطبة التي كانت فردوس الأندلس ونور المعرفة فيها، واستفحال أمر النصارى وضعف أمر المسلمين. وهو المؤمن التقي، والعالم المحدث الذي يرى أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين. وقد رأى أن سبب ذلك هو اضطراب حبل الأمور وتفرق الكلمة وذهاب الوحدة وقد فشلت تلك المحاولات التي دخل فيها السياسة فتركها يائسًا من نجاحها واجتماع الأمر لأحد، وليس بعجيب أن ينصرف عنها لما رأى من اضطراب الأمور فخلص للعلم وحده حين رأى تلك الأحوال وقد ذم ملوك الطوائف جميعهم في رسالته التلخيص لوجوه التخليص. (١)

وكان من الطبعي أن لا ينظر ابن حزم نظرة إكبار إلى الأمراء الذين كانوا يستعينون بالنصارى أو يمدون أيديهم إليهم بالولاء يستجدونهم أو بالإتاوة يدفعونها، وكذلك كانت نظرته إلى العلماء الذين يوالون أولئك الأمراء لهذا كان بينهم وبينه عداوة كان من مظاهرها إحراق كتبه، ومضايقته بتنفير الطلاب عنه وتحذير العوام من فتنته، ومن مظاهرها أن جفته الديار حتى آوى إلى ضيعته التي ورثها من آبائه فأقام فيها يدرس ويصنف إلى أن انتقار إلى جوار ربه. (٢)


(١) انظر دراسات عن ابن حزم وكتاب الطوق للطاهر مكي الأنصارى ص ٩٥، وانظر الرسالة بتحقيق الدكتور إحسان عباس ص ١٣٧ - ١٨٥ ضمن مجموعة الرد على ابن النغريلة اليهودي ورسائل أخرى.
(٢) انظر ابن حزم الأندلسى لأبي زهرة ص ١٠٠.

<<  <   >  >>