للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اجتمعت تلك العناصر بهذه البلاد التي خصها الله تعالى كما قال المقري: "من الريع وغدق السقيا، ولذاذة الأقوات، وفراهة الحيوان، ودرور الفواكه وكثرة المياه، وتبحر العمران، وجودة اللباس، وشرف الآنية، وكثرة السلاح، وصحة الهواء، وابيضاض ألوان الإنسان، ونبل الأذهان، وفنون الصنائع وشهامة الطباع ونفوذ الإدراك، وأحكام التمدن والاعتمار بما حرمه الكثير من الأقطار مما سواها". (١) ولكن لكل أرومته ولكل سلالة خصائصها. جاء في نفح الطيب وصف أهل الأندلس "أنهم عرب في الأنساب والعز والأنفة وعلو الهمم وفصاحة الألسن وطيب النفوس وإباء الضيم، وقلة احتمال الذل والسماحة بما في أيديهم والنزاهة عن الخضوع واتيان الدنية، هنديون في فرط عنايتهم بالعلوم وحبهم فيها وضبطهم لها وروايتهم، بغداديون في نظافتهم وظرفهم ورقة أخلاقهم ونباهتهم وذكائهم وحسن نظرهم وجودة قرائحهم ولطافة أذهانهم وحدة افكارهم ونفوذ خواطرهم، يونانيون في استنباطهم للماء ومعاناتهم لضروب الغراسات واختيارهم لأجناس الفواكه وتدبيرهم لتركيب الشجر وتحسينهم للبساتين بأنواع الخضر وصنوف الزهر فهم أحكم الناس لأسباب الفلاحة .. وهم أصبر الناس على مطاولة التعب في تجويد الأعمال ومقاسات النصب في تحسين الصنائع أحذق الناس بالفروسية وأبصرهم بالطعن والضرب". (٢)

هذه صفات وخواص تلك العناصر المختلفة التي تجمعت داخل بلاد الأندلس وبمجموعها حصلت تلك الصفات المتباينة التي لا


(١) انظر نفح الطيب للمقري ج ١ ص ١٢٤، ١٢٥.
(٢) المرجع السابق ج ٤ ص ١٤٦، ١٤٧.

<<  <   >  >>