وكان حالهم في فنون العلوم هو التحقيق والإنصاف، وهم أحرص الناس على التميز، فالجاهل الذي لم يوفقه الله للعلم يجهد أن يتميز بصنعة، ويربأ بنفسه أن يرى فارغًا عالة على الناس لأن هذا في نهاية القبح.
والعالم عندهم معظم من الخاصة والعامة يشار إليه، ويحال عليه وينبه قدره، وذكره عند الناس، ويكرم في جوار وابتياع حاجة وما أشبه ذلك.
وللفقه عندهم رونق وجاهة، والمنتشر عندهم مذهب الإمام مالك ويقرأون القرآن بالسبع. وكانوا يعنون برواية الحديث، ويتحرون فيها الدقة، وعلم الأصوال عندهم متوسط الحال. والنحو عندهم في نهاية من علو الطبقة. وللشعر عندهم حظ عظيم، وللشعراء من ملوكهم وجاهة. (١) وقد عرفنا حالة الأندلس السياسية من أول القرن الرابع إلى ما بعد النصف من القرن الخامس ورأينا أنها في القرن الرابع في غاية من الازدهار والاستقرار السياسي. وقد اقترن هذا بضروب من الازدهار الفكري وذلك في عهد عبد الرحمن الناصر فهو الذي رفع للعلم صرحًا باذخًا فأغدق العطايا على العلماء وأوسع لهم مجالسه وشجعهم على دراسة سائر العلوم الدينية وغيرها كالرياضيات والفلك، كما أشرك بعضًا من علماء اليهود في الثقافة الأندلسية فبدأت في عهده دراسة التوراة والتلمود في أسبانيا، وتكونت في قصر الخليفة الأندلسي العظيم مكتبة كبرى كانت هي الدليل الواضح على الدرجة العليا التي بلغتها الثقافة الأندلسية في