للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي وجودنا جميع الأشياء التي في العالم معدودة إيجاب أنها ثالث بعد ثان، وثان بعد أول وفي صحة هذا وجوب أول ضرورة، وقد نبه الله تعالى على هذا الدليل وعلى الذي قبله وحصرهما في قوله تعالى: {وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا}. (١) والآخر والأول من باب المضاف فالآخر آخر للأول والأول أول للآخر. ولو لم يكن أول لم يكن آخر. (٢)

فثبت بكل ما سبق من البراهين أن العالم ذو أول. وإذا كان ذا أول فلابد ضرورة من أحد ثلاثة أوجه لا رابع لها وهي: إما أن يكون أحدث ذاته وإما أن يكون حدث بغير أن يحدثه غيره، وبغير أن يحدث هو نفسه. وإما أن يكون أحدثه غيره. فإن كان هو أحدث ذاته فلا يخلو من أحد أربعة أوجه لا خامس لها وهي إما أن يكون أحدث ذاته وهو معدوم وهي موجودة. أو أحدث ذاته وهو موجود وهي معدومة أو أحدثها وكلاهما موجود أو أحدثها وكلاهما معدوم وكل هذه الأربعة الأوجه محال ممتنع لا سبيل إلى شيء منها لأن الشيء وذاته هي هو وهو هي وكل ما ذكرنا من الوجوه يوجب أن يكون الشيء غير ذاته وهذا محال وباطل بالمشاهدة والحس. وإن كان خرج عن العدم إلى الوجود بغير أن يخرج هو ذاته أو يخرجه غيره فهو أيضًا محال لأنه لا حال أولى بخروجه إلى الوجود من حال أخرى ولا حال أصلًا هنالك فإذًا لا سبيل إلى خروجه وخروجه مشاهد متيقن فحال الخروج غير حال اللاخروج وحال الخروج هي علة كونه وهذا لازم


(١) سورة الجن آية (٢٨).
(٢) انظر الفصل لابن حزم جـ ١ ص ١٨، ١٩.

<<  <   >  >>