للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم إن نتيجة هذا الدليل الذي ساقه ابن حزم - تابعًا فيه الكندي على ما أرى - على حدوث العالم بتناهي مكوناته، وإثبات المحدث له وهو الله تبارك وتعالى، هي نتيجة دليل الجوهر والغرض التي يستدل بها المتكلمون، أو بكل واحد منهما إما بإمكانه، أو بحدوثه بناء على أن علة الحاجة عندهم، إما الحدوث وحده، أو الإمكان مع الحدوث شرطًا أو شطرًا. (١) وهي أيضًا نتيجة دليل الإمكان الذي يستدل به بعض المتكلمين مع اختلاف في طرق الإثبات بين مسلك ابن حزم وبينهم.

وقد تواصلوا بتلك الأدلة إلى النتيجة المرجوة، وإن لم تسلم لهم كل طرق الاستدلال.

أما دليل ابن حزم - وإن لم يقتصر عليه - فهو دليل رياضي سليم.

مع أن فيه تطويلًا يغني عنه بالوصول إلى تلك النتيجة الاستدلال بالممكنات بطريقة مختصرة سليمة هي أن يقال:

إننا نشاهد من حدوث الحوادث حدوث الحيوان والنبات وغيرها، وهي ليست ممتنعة حيث وجدت، ولا واجبة الوجود بنفسها لأنها كانت معدومة، ثم وجدت فعدمها ينفي وجوبها، ووجودها ينفي امتناعها، فحدوثها دليل على المحدث لها المخالف لما هي عليه وهو الله تبارك وتعالى. (٢) وهذه الطريقة عقلية صحيحة، وشرعية دل القرآن عليها وهدى الناس إليها وبينها وأرشد إليها. يقول تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ


(١) انظر شرح المواقف في علم الكلام الموقف الخامس ص ٥.
(٢) انظر شرح الأصفهانية ص ١٥، ١٦، وشرح حديث النزول ص ٢٨ والطبيعة وما بعدها ليوسف كرم ص ١٥١.

<<  <   >  >>