للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لله في القدم الذي هو أخص صفاته فتشاركه في الإلهية (١).

وهذا المذهب مأخور عن الفلاسفة الذين لا يثبتون إلا الذات المجردة عن كل كثرة (٢).

وقد أشرنا قريبًا إلى أن إثبات الصفات ليس فيه إثبات قديم مع الله غيره، ونزيد ذلك وضوحًا فنقول لما كان لفظ "الغير" بالنسبة لصفات الله تعالى من الألفاظ المبتدعة المجملة كان السلف من هذه الإمة لا يطلقون على صفات الله أنها "غيره" ولا أنها ليست غيره، بل يستفصلون ممن أثبت أو نفى. فإن أريد "بالغير" أن ذلك شيء بائن عنه فهذا باطل، وإن أريد به ما يمكن الشعور بأحدهمًا دون الآخر فقد يذكر الله تعالى من لا يشعر حينئذ بكل معاني أسمائه، بل وقد لا يخطر له حينئذ أنه عزيز، وأنه حكيم. وإذا أريد هذا فإنما يفيد المباينة في ذهن الإنسان لكونه قد يعلم هذا دون هذا. وذلك لا ينفي التلازم في نفس الأمر، فهي معان متلازمة لا يمكن وجود الذات دون هذه المعاني، ولا وجود هذه المعاني دون وجود الذات، واسم الله، إذا قيل الحمد لله، أو قيل باسم الله يتناول ذاته وصفاته ولا يتناول ذاتًا مجردة عن الصفات، ولا صفات مجردة عن الذات، فصفاته داخلة في مسمى أسمائه فلا يقال إنها غيره - على معنى أن


(١) انظر شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار ص ١٨٢ - ٢١٣، والفرق بين الفرق للبغدادي ص ١١٤. والملل والنحل للشهرستاني (١: ٤٤). ونهاية الإقدام له ص ٢٠١، ولمع الأدلة للجويني ص ٨٧.
(٢) انظر آراء أهل المدينة الفاضلة للفارابي ص ٣٢، ٣٣. والملل والنحل للشهرستاني (١: ٥٠)، ودرء تعارض العقل والنقل لابن تيمية (١: ٢٨٤). ونقض المنطق له ص ١٢٣، وتاريخ الفلسفة اليونانية ليوسف كرم ص ١٣١، ١٣٢.

<<  <   >  >>