للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل الثالث:

أن نفي السمع والبصر عن حي أوجماد نقص وما انتفى عنه ذلك فلا يجوز أن يحدث عنه شيء، ولا يخلقه ولا يجيب سائلًا لأنه لا يسمع كلام أحد ولا يبصر أحدًا فلا يصلح أن يكون معبودًا كما قال الخليل عليه السلام: {يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} (١) وقال لقومه: {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ} (٢) ومعلوم أن الدليل غير منقلب على إبراهيم عليه السلام في معبوده لأنه يعبد سميعًا بصيرًا يسمع دعاءه ويبصره فلا يلزم عليه مالزمهم في معبوداتهم من عدم السماع والرؤية، ومن المستقر في الفطر أن ما لا يسمع ولا يبصر لا يكون ربًا معبودًا لأنه لا يسمع كلام أحد ولا يبصر أحدًا فإن لم يكن كالحي الأعمى الأصم كان بمنزلة من هو أقل من ذلك وهو الجماد الذي ليس فيه قبول أن يسمع أو يبصر، ونفى قبول هذه الصفات أبلغ في النقص. وأقرب إلى اتصاف المعدوم ممن يقبلها واتصف بأضدادها إذ الإنسان الأعمى الأصم أكمل من الحجر ونحوه مما لا يوصف بشيء من هذه الصفات، وإذا كان نفي هذه الصفات معلومًا بالفطرة أنه من أعظم النقائص، والعيوب وأقرب شبهًا بالمعدوم كان من المعلوم بالفطرة أن الخالق أبعد عن هذه النقائص والعيوب من كل ما ينفي عنه ذلك، وأن اتصافه تعالى بهذه


(١) سورة مريم: آية (٤٢).
(٢) سورة الشعراء: آية (٧٢).

<<  <   >  >>