للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأما الجهات التي هي سطوح الجسم نفسه فليست بمكان للجسم نفسه أصلا، وأما سطوح الأجسام المحيطة به فهي له مكان، مثل سطوح الهواء المحيطة بالإِنسان، وسطوح الفلك المحيطة بسطوح الهواء هي أيضا مكان للهواء. وهكذا الأفلاك بعضها محيطة ببعض ومكان له وأما سطح الفلك الخارج فقد تبرهن أنه ليس خارجه جسم، لأنه لو كان ذلك كذلك، لوجب أن يكون خارج ذلك الجسم جسم آخر ويمر الأمر إلى غير نهاية، فإذًا سطح آخر أجسام العالم ليس مكانا أصلا، إذ ليس يمكن أن يوجد فيه جسم ... إلى أن قال - فقد ظهر لك من هذا أن إثبات الجهة واجب بالشرع والعقل وأنه الذي جاء به الشرع وانبنى عايه، وأن إبطال هذه القاعدة إبطال للشرائع (١).

يقرر ابن رشد في كلامه هذا صحة إثبات الجهة لله تعالى من غير أن يلزم من ذلك إثبات المكان المحيط بمن فيه أي بالأجسام التي هو حاوٍ لها وينفى أن يكون سطح آخر أجسام العالم مكانا لعدم وجود جسم فيه.

فإن قيل: كأن ابن رشد يقول إن الفلك الخارج الذي ليس على سطحه جسم قد أحاط بما دونه من الأفلاك، وعلى هذا فما تقولون به من إثبات جهة العلو لا يتم لأن إحاطة هذا الفلك الخارج بما دونه من الأفلاك يجعل بعض هذا الفلك بالنسبة لبعض أجزاء الأفلاك الأخرى في جهة السفل وهذا مما لا تقولون به.


(١) مناهج الأدلة لابن رشد ضمن فلسفة ابن رشد ص (٨٣ - ٨٥) ونقله عنه ابن القيم في اجتماع الجيوش الإِسلامية ص (٢٢٩ - ٢٣١)، وانظره في مختصر الصواعق المرسلة (١: ١٧٤).

<<  <   >  >>