للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول ابن رشد في كلامه على الجهة: "وأما هذه الصفة فلم يزل أهل الشريعة من أول الأمر يثبتونها لله سبحانه، حتى نفتها المعتزلة، ثم تبعهم على نفيها متأخروا الأشعرية كأبى المعالى ومن اقتدى بقوله وظواهر الشرع كلها تقتضى إثبات الجهة مثل قوله تعالى: "ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية". (١) ومثل قوله "يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون". (٢)

ومثل قوله تعالى "تعرج الملائكة والروح إليه". (٣) ومثل قوله تعالى: "أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور" (٤) إلى غير ذلك من الآيات التي إن سلط التأويل عليها عاد الشرع كله مؤولا، وإن قيل فيها إنها من المتشابهات عاد الشرع كله متشابها لأن الشرائع كلها مبنية على أن الله في السماء، وأن منه تنزل الملائكة بالوحى إلى النبيين، وأن من السماء نزلت الكتب، وإليها كان الإِسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى قرب من سدرة المنتهى. وجميع الحكماء قد اتفقوا على أن الله والملائكة في السماء كما اتفقت جميع الشرائع على ذلك، والشبهة التي قادت نفاة الجهة إلى نفيها هي أنهم اعتقدوا أن إثبات الجهة يوجب إثبات المكان، وإثبات المكان يوجب إثبات الجسمية، ونحن نقول إن هذا كله غير لازم فإن الجهة غير المكان، وذلك أن الجهة هي إما سطوح الجسم نفسه المحيطة به وهي ستة وبهذا نقول إن للحيوان فوقا وأسفلا ويمينا وشمالا وأماما وخلفا. وإما سطوح جسم آخر محيط بالجسم ذات الجهات الست.


(١) سورة الحاقة: آية (١٧).
(٢) سورة السجدة: آية (٥).
(٣) سورة المعارج: آية (٤).
(٤) سورة الملك: آية (١٦).

<<  <   >  >>