للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قوله تعالى: "والله خلقكم وما تعملون" (١) فإنه في أصح القولين أن "ما" بمعنى الذي والمراد به ما تنحتونه من الأصنام كما قال تعالى: "أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون" (٢) أي والله خلقكم وخلق الأصنام التي تنحتونها، فالعمل عملهم، والله خالق الكل، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله خالق كل صانع وصنعته" (٣)، وتكون فعل الله تعالى إذا أريد بها كونها مفعولة مخلوقة كسائر المخلوقات (٤).

يوضح هذا: أنك إذا كتبت بالقلم مثلا، هل يكون القلم شريكك، أو يضاف إليه شيء من نفس الفعل وصفاته؟ أم هل يصلح أن تلغي أثره وتقطع خبره، وتجعل وجوده كعدمه؟ أم يقال به كتبت - ولله المثل الأعلى - فإن الأسباب بيد العبد ليست من فعله وهو محتاج إليها لا يتمكن إلا بها. والله سبحانه خلق الأسباب ومسبباتها وجعل خلق البعض شرطًا وسببًا في خلق غيره، وهو مع ذلك غني عن الاشتراط والتسبب ونظم بعضها ببعض لكن الحكمة تتعلق بالأسباب وتعود إليها والله عزيز حكيم (٥).

فعلى هذا فمشيئة العبد للخير والشر موجودة، وله قدرة على هذا


(١) سورة الصافات: آية (٩٦).
(٢) سورة الصافات: الآيتان (٩٥، ٩٦).
(٣) المستدرك على الصحيحين للحاكم (١: ٣١، ٣٢) وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم، وفي مجمع الزوائد (٧: ١٩٧)، قال: رجاله رجال الصحيح، غير أحمد بن عبد الله أبو الحسين بن الكردي وهو ثقة.
(٤) انظر رسالة الإرادة والأمر لابن تيمية ضمن المجموعة الكبرى (١: ٣٥٩، ٣٦٠).
(٥) مجموع فتاوى ابن تيمية (٨: ٣٩١) بتصرف.

<<  <   >  >>