للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فبين تعالى في نص القرآن أن إضلاله لمن أضل من عباده إنما هو أن يضيق صدره عن قبول الإيمان، وأن يحرجه حتى لا يرغب في تفهمه والجنوح إليه ولا يصبر عليه، ويوعر عليه الرجوع إلى الحق حتى يكون كأنه يتكلف في ذلك الصعود إلى السماء، وفسر ذلك أيضًا عز وجل في آية أخرى هي قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ} (١). وذكر تعالى، جعل الأكنة على قلوبهم أيضًا في سورتي الإِسراء (٢)، والكهف (٣)، وهذه الأكنة هي أنه تعالى يجعل ساترًا على قلوب الكافرين يحول بينها وبين تفهم القرآن، والإصاخة لبيانه وهداه، وأن يفقهوه، وأنه جعل تعالى بينهم وبين قول الرسول صلى الله عليه وسلم حجابًا مانعًا لهم من الهدى، وفسره أيضًا لعالى بانه ختم على قلوبهم وطبع عليها فامتنعوا بذلك من وصول الهدى إليها، فالنصوص القرآنية توجب، أن الإضلال معنى زائدًا أعطاه الله للكفار والعصاة، وهو ما ذكرنا من تضييق الصدور وتحريجها والختم على القلوب والطبع عليها وإكنانها عن أن يفقهوا الحق.

فإن قالوا: إن هذا فعل النفوس كلها إن لم يمدها الله تعالى بالتوفيق.

قلنا لهم: من خلقها هذه الخلقة المفسدة إن لم يؤيدها بالتوفيق.

فإن قالوا: الله تعالى خلقها كذلك أقروا بأن الله تعالى أعطاها هذه البلية وركب بها هذه الصفة المهلكة.


(١) سورة الأنعام: آية (٢٥).
(٢) انظر آية (٤٦) من السورة.
(٣) انظر آية (٥٧) من السورة.

<<  <   >  >>