للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن قيل: إنه جاء في القرآن أن الشياطين يضلون الناس وينسونهم ذكر الله تعالى ويزينون لهم ويوسوسون، ونسب فعل ذلك من بعض الناس لبعض.

قلنا: هذا صحيح وهو إلقاء لذلك في القلوب وهو من الله تعالى خلق لكل ذلك فيها، وخالق لأفعال هؤلاء المضلين من الجن والإنس، وكذلك قوله تعالى حسدًا من عند أنفسهم لأنه فعل أضيف إلى النفس لظهوره منها وهو خلق الله تعالى فيها.

وأما قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} (١) فهو أنه لا يضل قومًا حتى يبين لهم ما يتقون وما يلزمهم، لأن المرء قبل أن يأتيه خبر الرسول غير ضال بشيء مما يفعل أصلًا فإنما سمى الله تعالى فعله في العبد إضلالًا بعد بلوغ البيان إليه لا قبل ذلك. فصح، أنه يضلهم بعد أن يبين لهم (٢).

إن ما ذهب إليه ابن حزم في الهدى وإلإضلال، مذهب تؤيده الأدلة الصحيحة والصريحة من القرآن الكريم وتلك الأدلة كثيرة جدا، ذكرنا في عرض مذهبه، الكثير منها ودلالتها واضحة على أنه تعالى هدى قومًا فاهتدوا، ولم يهد آخرين فلم يهتدوا، فهدى الناس كلهم هداية الدلالة ببيان الطريق لهم. طريق الخير، وطريق الشر، وهدى من اهتدى بأن وفقه وأعانه على الخير ويسر له سبله وجعل له القبول في نفسه.

وأن إضلال الله لمن يشاء من خلقه بأن يجعل صدورهم ضيقة حرجة ويجعل على قلوبهم أكنة تحول بينهم وبين تفهم القرآن، وقول


(١) سورة التوبة: آية (١١٥).
(٢) انظر الفصل لابن حزم (٣: ٤٦ - ٤٩).

<<  <   >  >>