للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ياقوت. (١) ولكن مجرى تاريخ حياة أبي محمد الوزارية لم يتغير، فأطيح بعهد هشام المعتد بالله في ذي القعدة سنة اثنين وعشرين وأربعمائة، ونودى في قرطبة بأن لا يبقى بها أحد من بني أمية، (٢) وبانتهاء المعتد بالله تنتهي وزارة ابن حزم وبعدها ترك السياسة أو تركته على الصحيح كما رأينا، بانتهاء وزارته الأولى بوقوعه بالأسر، ثم قتل المرتضي، والثانية بالسجن والثالثة باطاحة عرش المعتد بالله واجلاء بني أمية من قرطبة ومطاردتهم وهم الذين يتعصب لهم أبو محمد، وينتمي بالولاء لهم. فأدرك بعد تلك التجارب أن في الإعراض عن السياسة ولأوائها راحة لبدنه وهدوء الفكره، وأن في الخلوص إلى العلم وطلبه لذة لا يدركها الملوك، وفي الجهاد الفكري دفاعا عن الدين، وردا على المنحرفين، فاتخذ أبو محمد من الكتاب صديقا أنس غربته، وأمن سريرته فلا يشك في صدق مودته فنال في هذا المسلك ما لم ينله غيره، وإن الناظر إلى حال صاحبنا في نشأته الأولى ثم حاله فيما بعد ذلك ليدهش لما أصابه من تقلبات الأحوال، وعدم تخاذله أمامها ويدرك أن حياته صورة للإرادة التي لا تعرف التردد.

* * *


(١) انظر معجم الأدباء جـ ١٢ ص ٢٣٧.
(٢) انظر جذوة المقتبس ص ٢٨. وابن حزم الأندلسى للدكتور عبد الكريم خليفة ص ٦١.

<<  <   >  >>