للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان رحمه الله زيادة على ظاهريته. صريحًا لا يعرف المجاملة، وحاد المزاج عنيفًا في مناظراته ومجادلاته.

يقول أبو مروان ابن حيان: "وكان لمجمل علمه هذا ويجادل من خالفه فيه على استرسال في طباعه وبذل بأسراره، واستناد على العهد الذي أخذه الله على العلماء من عباده "لتبيننه للناس ولا تكتمونه" (١) فلم يك يلطف صدعه بما عنده بتعريض، ولا يرقه بتدريج بل يصك به معارضه صك الجندل، وينشقه متعلقه انشاق الخردل، فنفر عنه القلوب وتوقع به الندوب حتى استهدف إلى فقهاء وقته فتمالؤوا على بغضه وردوا أقواله فأجموا على تضليله وشنعوا عليه وحذروا سلاطينهم من فتنته، ونهوا عوامهم عن الدنو إليه والأخذ عنه وطفق الملوك يقصونه عن قربهم، ويسيرونه عن بلادهم إلى أن انتهوا به منقطع أثره بتربة بلدة من بادية لبلة". (٢)

تلك حصائد طول لسانه الموصوف بأنه شقيق سيف الحجاج باستخفافه بالكبار ووقوعه في أئمة الاجتهاد، وصراحته بما يراه الحق وتعصبه له، وعدم مجاملته للأمراء والحكام، عوامل عديدة أحاطت بابن حزم فقللت من مصاحبته، وهناك عامل دعا علماء عصره إلى التألب ضده غير ما ذكر. الحسد لما كانت عليه حاله من الثراء، ثم مع هذا كثرة تحصيله العلمي. قال عن نفسه:

"أنا العلق (٣) الذي لا عيب فيه ... سوى بلدي وأني غير طاري


(١) سورة آل عمران آية (١٨٧).
(٢) معجم الأدباء لياقوت ج ١٢ ص ٢٤٨.
(٣) العلق بالكسر النفيس من كل شىء وجمعه أعلاق. مختار الصحاح ص ٤٥٠ والقاموس ج ٣ ص ٢٦٧.

<<  <   >  >>