"جعل الله سبحانه وتعالى في كل يوم وليلة لعباده المؤمنين وظائف موظفة عليهم من وظائف طاعته فمنها ما هو فرض كالصلوات الخمس، ومنها ما يندبون إليه من غير افتراض كنوافل الصلاة والذكر وغير ذلك، وجعل في شهور الأهلة وظائف موظفة أيضا على عباده كالصيام والزكاة والحج ومنه فرض مفروض عليهم كصيام رمضان وحجة الإسلام منه ما هو مندوب كصيام شعبان وشوال والأشهر الحرم وجعل الله سبحانه لبعض الشهور فضلا على بعض كما قال تعالى:{مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} ، وقال الله تعالى:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} ، وقال تعالى:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ} ، كما جعل بعض الأيام والليالي أفضل من بعض، وجعل ليلة القدر خيرا من ألف شهر، وأقسم بالعشر وهو عشر ذي الحجة على الصحيح، وما من هذه المواسم الفاضلة موسم إلا ولله تعالى فيه وظيفة من وظائف طاعاته يُتقرب بها إليه، ولله فيها لطيفة من لطائف نفحاته يصيب بها من يشاء بفضله ورحمته عليه فالسعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات، وتقرب فيها إلى مولاه بما فيها من وظائف الطاعات، فعسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات، فيسعد بها سعادة يأمن بعدها من النار وما فيها من اللفحات، وقد خرَّج أبن أبي الدنيا والطبراني وغيرهما من حديث أبي هريرة مرفوعا: "اطلبوا الخير دهركم وتعرضوا لنفحات رحمة ربكم فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، وسلوا الله أن يستر عوراتكم ويؤمن روعاتكم"، وفي رواية للطبراني من حديث محمد بن مسلمة مرفوعا: "إن لله في أيام الدهر نفحات فتعرضوا لها؛ فلعل أحدكم أن تصيبه نفحة فلا يشقى بعدها أبدا". وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن
١ ابن رجب الحنبلي، لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف، نشر دار الدعوة، ص٦.