الرسول نعمةٌ أنعم الله بها على المؤمنين وعلى العالمين:
والرسول نعمة من النعم التي أنعم الله بها على المؤمنين بعامة والعرب خاصة، فقد نشأ فيهم؛ من نسبهم وجنسهم, فهو عربي مثلهم, كلامه مفهوم لهم, ثم إنه من أشرف قبائل العرب وبطونهم, وهم يعلمون عن يقينٍ أنه الصادق الأمين, فلهم أن يفخروا بأن النبوة ظهرت فيهم على يديه -صلى الله عليه وسلم, وأنهم يأتيهم خبر السماء عن طريقه؛ فهو يتلو عليهم آيات الله, ويفيدهم بعلومٍ لم يكن لهم بها علم إذ كانوا جهّالًا لم يسمعوا الوحي, وضلَّالًا لا يهتدون سبيلًا. وأما عامة المؤمنين فإنه يأتيهم الشرف من حيث إنهم أتباعه ومناصروه، وشرف الانتساب إلى محمدٍ الرسول يفوق شرف الأنساب؛ لأن الله سبحانه وصف الذين آمنوا به واتبعوه من مختلف الأجناس والألوان بأنهم خير أمة أخرجة للناس, ولم تقتصر هذه الصفة العظمى على جنس العرب؛ فأمة الإسلام هي خير أمة أخرجت للناس، واتِّبَاع الرسول -صلى الله عليه وسلم- في كل ما جاء به هو الطريق إلى الجنة، ومن هنا كان الرسول منّةً كبرى مَنَّ الله بها على المسلمين؛ لأنه عَرَّفَهم طريق الجنة عن طريق رسول -صلى الله عليه وسلم,
قال تعالى:{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} ، أي: ويعلمهم القرآن ويعلمهم السنة؛ فالكتاب هو القرآن, والحكمة هي السنة.
كما قال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}[سورة النحل ٤٤] , والبيان هو التبيلغ والإيضاح والشرح والإظهار، فالبيان هو السنة، وقد روي عن الأوزاعي عن حسان بن عطية إنه قال: كان جبريل ينزل على النبي -صلى الله عليه وسلم بالقرآن، والسنة تفسر القرآن١.
١ الخطيب البغدادي، كتاب الكفاية في علم الرواية، دار الكتب الحديثة, ط١, ١٩٧٩.