وكان -صلوات الله وسلامه عليه- فصيح اللسان، جزل العبارة مع فخامة المعنى ووضوح الغاية, ولا عجب, فقد أعطي جوامع الكلم, ثم هو لا ينطق عن هوًى أو غرضٍ في نفسه, ولكنه يقول ما أمر به أن يبلغه للناس كاملًا موفورًا من غير زيادة أو نقصان، كما كان -صلى الله عليه وسلم- في كل ما صدر عنه من حركاتٍ أو سكناتٍ أو تقريراتٍ ترجمةً للأخلاق الفاضلة التي دعا إليها القرآن١.
ولقد حذَّر الرسول -صلى الله عليه سلم- من أن يقول الناس بعده: نأخذ ما جاء في القرآن نعمل به؛ فما وجدناه حلالًا حللناه, وما وجدناه حرامًا حرمناه, ثم يَدَعُونَ سنته -صلى الله عليه وسلم، بل إن ما جاء به -صلى الله عليه وسلم هو عين ما في كتاب الله -عز وجل، لذا نجد في الحديث المروي عن المقدام بن معد يكرب, عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا إني قد أوتيت القرآن ومثله، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي, ولا كل ذي نابٍ من السباع، ولا لقطة من مال معاهد، إلّا أن يستغني عنها صاحبها".
وفي وراية أخرى عن المقدام بن معد يكرب الكندي يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه سلم- حرم أشياء, فذكر الحمر الإنسية، ثم قال: "يوشك رجل متكئ على أريكته يحدِّثُ بالحديث من حديثي فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدناه حلالًا أحللناه، وما وجدنا