هكذا أدَّبَ الله صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم, وهكذا أدَّبهم رسول الله بسنته وموعظته حتى أصبحوا مجتمعًا له عقيدة تختلف عن كل العقائد التي توارثوها عن الآباء والأجداد, مجتمعًا يستمد عقيدته من السماء، مجتمعًا ربانيًّا ينبثق فيه التعامل مباشرة من الإيمان بالله تعالى والتحاكم إلى شرعه، وصار هناك مفهوم جديد لمن تربى بهذه التربية، هذا المفهوم يطرح القبلية والعصبية والعنصرية, ويقبل على الناس جميعهم بروح المساواة والعدالة: إنه الإنسان العالمي الذي يشعرنا بالانتماء إلى الأسرة الإنسانية كلها, من واقع ما عرفه من دين الله الذي يدعو إلى التعارف والتآلف, ويأمر بالعدل والإحسان وتقديم الخير للبشرية، ويحقق السعادة للناس جميعًا؛ أسودهم وأبيضهم, وأحمرهم وأصفرهم, فالكل يتساوى أمام نظرة هذا الإنسان الجديد الذي لا تميزه عنصرية, ولا يحجبه عن الناس شيء.
ولقد كانت تربية الله لمجتمع الصحابة بكلامه وبإرشاد رسوله -صلى الله عليه وسلم- شاملة لجميع مناحي الحياة, في حالات السلم وحالات الحرب، فقد مروا باختبارات عملية تصهرهم بتجارب قاسية؛ لتخلق منهم الرجال الأشداء الأقوياء الذين لا يهابون شيئًا إلّا الله, وجعل الله منهم رجالًا مؤمنين ونساء مؤمنات, من طبقة عالية في الصدق والأمانة ودماثة الخلق, فصاروا أمةً من أرقى الأمم, لم يأت مثلهم في أمة سابقة, ولن يأتي مثلهم في أمة لاحقة, فكانوا بحقٍّ خير أمة أُخْرِجَتْ للناس، لهذا نجد علماء المسلمين الذين كانوا يقومون بجمع الحديث النبوي لا يسألون عن الصحابي، بسبب تعديل الله لصحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجمعين, وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد توفي عن