للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[التابعون في السنة]

إنه لما تفرقت الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين- في الأمصار التي فتحوها، بثَّ كل واحد منهم في ناحيته, وبالبلد الذي نزله, علمه الذي أخذه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فحكموا بحكم الله -عز وجل, وأمضوا الأمور على ما سنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم, وقد تعلَّم منهم وأخذ عنهم ناس كثيرون, حملوا عنهم جُلَ علومهم من الفرائض والأحكام والحلال والحرام والآداب, وذلك في كل بلد من البلدان، ومنهم خلق كثير اختصوا بالعلم وعُرِفُوا به, فهم الطبقة الثانية بعد أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم, وقد سماهم أهل العلم التابعين؛ لأنهم يندرجون فيمن تبع السابقين الأولين بإحسان. وهم الذين عناهم الرسول الكريم في الحديث المروي عن عمران بن حصين، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يخلف قوم تسبق أيمانهم شهادتهم، ثم يظهر فيهم السمن" ١.

فهؤلاء الطبقة الذين أخذوا عن صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأحكام والسنن والآثار أتقنوا العلم وفقهوا فيه، فصاروا برضوان الله -عز وجل- وجميل ما أثنى عليهم, بالمنزلة التي نزههم الله بها, بعيدين عن أن يلحقهم مغمز, أو تدركهم وصمة؛ لتيقظهم وتثبتهم؛ ولأنهم البررة الأتقياء الذين ندبهم الله -عز وجل- لإثبات دينه, وإقامة سننه وسبله٢.


١ الخطيب البغدادي: كتاب الكافية في علم الرواية، ص٩٥.
٢ راجع، ابن أبي حاتم، الجرح والتعديل ج ١/ ٩ المقدمة.

<<  <   >  >>