"مما لا شك فيه أن الله تعالى حينما رسم للإنسان طريق الفلاح والسعادة، وشرع له سبل وأسس التربية الناجحة قدر لها التوافر على عنصر لثبات حتى لا تكون خاضعة للتغيير والتبديل مع تقلبات الهوى كما كتب لها الخلود وصلاحية التطبيق في كل زمان ومكان ارتضى لها مسايرة التطور بمرونة ويسر.
فإذا كانت حضارات قديمة وحديثة عدة قد تعارفت على آداب للسلوك ومفاهيم للتربية والأخلاق فإن أهم ما يؤخذ عليها أنها خضعت لمنطق البيئة، وتطورت مع تطور الحضارات حتى وصلت في عصر المدنية الحديثة إلى ما وصلت إليه من تنكر صارخ لكل القيم والمثل العليا والتحلل من كل نور الفضيلة والعفة والفطرة السليمة فأباحت الكذب والفسق والغدر، وجعلت غاية الحياة مبنية على المتعة واللذة بما يعتبر دعوة إلى الانحلال الخلقي والانفلات من آداب الفطرة والتربية الخلقية السليمة، ولقد كان في مقاطعة دول إسلامية ومعارضة أخرى بناء لكل تلك البنود التي تمس الأخلاق النبيلة والفضائل السامية مما يعزز خاصية الثبات والخلود في الفكر التربوي الإسلامي؛ إذا إنه على الرغم من موجات التحرر والانحلال الخلقي وإهدار القيم الأخلاقية مما تعاني منه المجتمعات غير الإسلامية فإن الموقف الإسلامي في شأن الأخلاق والتربية يبقى موحدًا وثابتًا، فقوانين الفطرة السليمة تلتزم تربية الإنسان على حياة الطهارة والعفة والشرف والفضيلة.
ولا يمكن أن يفهم من خاصية الثبات جمود التربية الإسلامية في أهدافها ومناهجها وطرقها فذلك ما لا يقول به من له أدنى إحاطة بفلسفة الفكر التربوي الإسلامي؛ فالتجدد والتطور باستمرار وقابلية التغير هي من خصائص التربية الإسلامية أيضا، لكن في إطار الثوابت من أصول الإيمان والقواعد الكلية للدين، فاحتياجات الزمان والمكان لمقتضيات التطور والتغير الاجتماعيين ولمصالح الفرد والجماعة التي تقوم على مراعاتها الشريعة الإسلامية تفرض التجدد والتطور ومسايرة العصر دون افتقاد لأي من المقومات والدعائم الثابتة في إطار الشريعة الإسلامية"١.