من الجهد والصبر والعناية. يقول الغزالي:"اعلم أن الطريق في رياضة الصبيان من أهم الأمور وأوكدها، والصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة، خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل نقش ومائل إلى كل ما يمال به إليه"، وما دام الطفل قابلا لكل ما يقال إليه من جهة الأبوين فهما المسؤولان عن تصرفاته وعن نمط شخصيته في لمستقبل، ولهذا فإن الغزالي يخاطب المربين وبخاصة الوالدين بقوله:"إن الطريق لتربية الأطفال وتهذيبهم وتحين أخلاقهم وتعويدهم الخصال الحميدة مسئولية كبرى تقع على عاتق الوالدين وكل من يوكل إليه أمر الطفل والاهتمام به وبتربيته؛ لأن الطفل أمانة في عنق والديه، فالأم والأب مسئولان إلى حد كبير عن حسن تربيته أو سوئها، وعن انحرافاته الخلقية والاجتماعية أو عن تعاونه ومحبته للآخرين أو عن انحرافه أو إصلاحه.
والمتأمل في الفكر الاجتماعي التربوي المعاصر، يرى أن كثيرا من الأفكار الاجتماعية التربوية منسجمة إلى حد كبير مع أفكار المفكر العربي المسلم "أبو حامد الغزالي"؛ فهناك نفر من العلماء التربويين والاجتماعيين يرى أن تصرفات الأبناء تعكس إلى حد كبير شخصيات الآباء، وأن تصرفات الأبناء هي المفتاح لفهم شخصيات الآباء، ومن علماء الاجتماع المحدثين من يقول: "إن جعل الطفل كائنا اجتماعيا يعتمد بصورة متزايدة على نمط العلاقات الشخصية التي يخلقها الوالدان بطريقة غير مباشرة". وهذا يعني أن الوالدين في نظر الطفل٢ هما
مثله الأعلى الذي يقتدي به. فإذا كانا يتصرفان تصرفات سليمة صحيحة، فإنه سيتصرف تصرفات صحيحة وسليمة قياسًا لما يراه في أسرته، فهو يحاكي ويقلد أفعالهما وأعمالهما؛ لأنه يثق ويحسن الظن بهما.
١ د/ موسى محمود أبو حوسة -بحث بعنوان: "تصور الغزالي لعملية التنشئة الاجتماعية: تحليل نظري". منشور بمجلة دراسات "سلسلة اللعلوم الإنسانية" المجلد الثامن عشر "أ" عمان -الأردن ١٤١٢هـ - ١٩٩١م - العدد الرابع ص٢١٧.