كذلك أشار القرآن الكريم إلى أدب المتعلِّم مع المعلِّم؛ من التسليم والصمت والصبر, في قصة موسى وخضر -عليهما السلام, فقد رحل موسى -وهو نبي من أنبياء الله -عليهم السلام- في طلب العلم إلى شاطئ البحر تاركًا قومه، في سبيل التعلُّم من عبدٍ من عباد الله تعالى, ثم لما رآه استأذنه في أن يصاحبه للعلم، غير أن خضر -عليه السلام- اشترط عليه شروطًا وقبلها موسى -عليه السلام؛ حيث يقول القرآن الكريم حاكيًا كلام خضر لموسى ... {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} , ثم كان مشفقًا عليه فبيَّنَ أن عدم استطاعته يعود إلى عدم إحاطته بعلم هذه الأشياء فقال:{كَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا} , فقال موسى:{قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} , فقد استجاب موسى لكلامه وزاد أدبًا آخر, وهو أنه لا يعصيه في أمره, بل يستجيب إليه بكل ما أوتي من وسائل، ثم عاد خضر ليبين له الطريق الأسلم والأنجح في التعليم وهو الاقتناع الكامل بمنهج المعلِّم وسلامته, والتسليم الكامل إليه, والصمت الحقيقي حتى ينتهي الأستاذ من أعماله, ثم يقوم بشرحها له, فقال خضر:{قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} , ثم مضيا على ساحل البحر بعد أن اتفقا على هذه الآداب, حتى إذا ركبا سفينةً فقام خضر بخرق السفينة وتعييبها, وهنا عارضه موسى -عليه السلام- فقال:{أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} ، أي: منكرًا, فقد كان مع سيدنا
١ تفسير القرطبي ط: دار الكتب المصرية سنة ١٩٨٦م "١/ ٢٨٥-٢٨٦".