للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالله -سبحانه وتعالى- يبين لنا في قرآنه أن سيدنا محمدًا قد بلغ من الشرف والأدب الرفيع ما لم يدرك شأوه بشر؛ إذ وصفه بهذه الصفات البليغة، وقد كان من خلقه -صلى الله عليه وسلم- العلم والحلم، وشدة الحياء، وكثرة العبادة والسخاء والصبر والشكر، والتواضع والزهد، والرحمة والشفقة، وحسن المعاشرة والأدب، إلى غير ذلك من الخلال العلية والأخلاق المرضية التي هي المثل الأعلى في جميع نواحيها، بحيث تتسع لتشمل كل الفضائل والكمالات التي تهدي البشرية, وتعلم الناس في كل زمان ومكان كل معاني الشفقة والطهارة والرحمة.

وسيرة النبي المصطفى -صلى الله عليه وسلم- خير مثالٍ لكل من أراد أن يصل إلى درجة الكمال في الأخلاق والأعمال، والقرآن يبيّن لنا في وضوحٍ أن أصحابه الذين تربوا على منهاجه -صلى الله عليه وسلم- قد نالوا هذه الدرجة العليا من السموِّ الأخلاقي، وحازوا بها رضي الله عنهم, فجاء في صفتهم في محكم التنزيل: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} ١.

فكل من سار على نهجه واستضاء بنوره -صلى الله عليه وسلم, واتبع هديه, صار من خيرة الناس, وأدخله في رضوانه, وأثباه على عمله جنات تجري من تحتها الأنهار, مصداقًا لقوله -عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ، جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} ٢.


١ سورة الفتح آية رقم ٢٩.
٢ سورة البينة آية رقم ٧، ٨.

<<  <   >  >>