للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن ذلك: أنه حرَّم التقدم بين يديه بالكلام حتى يأذن، وحرَّم رفع الصوت فوق صوته، وأن يجهر له بالكلام كما يجهر الرجل للرجل، وأخبر أن ذلك سبب حبوط العمل١، فهذا يدل على أنه يقتضي الكفر؛ لأن العمل لا يحبط إلّا به، وأخبر أن الذين يغضون أصواتهم عنده هم الذين امتحنت قلوبهم للتقوى، وأن الله يغفر لهم ويرحمهم، وأخبر أن الذين ينادونه وهو في منزله لا يعقلون؛ لكونهم رفعوا أصواتهم عليه, ولكونهم لم يصبروا حتى يخرج، ولكن أزعجوه إلى الخروج٢.

ومن ذلك: أنه حرَّمَ على الأمة أن يؤذوه بما هو مباح أن يعامل به بعضهم بعضًا، تمييزًا له، مثل نكاح أزواجه من بعده، فقال تعالى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا} ٣.

وأوجب على الأمة لأجله احترام أزواجه، وجعلهن أمهات في التحريم والاحترام، فقال -سبحانه وتعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} ٤.

وأما ما أوجبه من طاعته والانقياد لأمره والتأسي بفعله, فهذا باب واسع، لكن ذلك قد يقال: هو من لوازم الرسالة، وإنما الغرض٥ هنا


١ وذلك في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الحجرات: ١-٢] .
٢ وذلك في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ} إلى {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحجرات ٣-٥] .
٣ الأحزاب: ٥٣.
٤ الأحزاب: ٦.
٥ الصارم المسلول, ص٣٠٠، ص٣٠١.

<<  <   >  >>