نفسي بكونه ملكًا, ثم لما ذكرت نفسي عرفت نفسي بكوني ربًّا للعالمين، ومن عرف ذاتًا بصفة فإنه يحاول ذكر أحسن الصفات وأكملها، وذلك يدل على أنه كونه ربًّا للعالمين أكمل الصفات، والأمر كذلك؛ لأن أكمل المراتب أن يكون تامًّا، وفوق التمام، فقولنا الله, يدل على كونه واجب الوجود لذاته في ذاته وبذاته, وهو التمام، وقوله: رب العالمين, معناه أن وجود كل ما سواه فائض عن تربيته وإحسانه وجوده, وهو المراد من قولنا: إنه فوق التمام.
والله سبحانه يملك عبادًا غيرك, كما قال:{وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ}[المدثر: ٣١] , وأنت ليس لك ربٌّ سواه، ثم إنه يربيك كأنه ليس له عبد سواك, وأنت تخدمه كأن لك ربًّا غيره، فما أحسن هذه التربية، أليس أنه يحفظ في النهار عن الآفات من غير عوض، وبالليل عن المخافات من غير عوض؟ واعلم أن الحراس يحرسون الملك كل ليلة، فهل يحرسونه عن لدغ الحشرات؟ وهل يحرسونه عن أن تنزل به البليات؟ أما الحق تعالى فإنه يحرسه من الآفات، ويصونه من المخافات؛ بعد أن كان قد زج أول الليل في أنواع المحظورات وأقسام المحرمات والمنكرات، فما أكبر هذه التربية وما أحسنها، أليس من التربية أنه -صلى الله عليه وسلم- قال:"الآدمي بنيان الرب، ملعون من هدم بنيان الرب", فلهذا المعنى قال تعالى:{قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ}[الأنبياء: ٤٢] , ما ذاك إلّا الملك الجبار، والواحد القهار، ومقلب القلوب والأبصار, والمطلع على الضمائر والأسرار"١.